يحتفل العالم في 12 ماي من كل سنة، باليوم العالمي للتمريض، الذي يعد مناسبة للاعتراف بمجهودات أول ممرضة في التاريخ “فلورنس نايتنغيل” وتقديرا لإسهامتها في قطاع الرعاية الصحية، وإنقاذها لآلاف الأرواح عبر الاحتفاء بذكرى ميلادها.
فمن تكون فلورنس نايتنغيل؟
فلورنس نايتنغيل هي أول ممرضة في التاريخ البشري، من مواليد 12 ماي من سنة 1820 بمدينة فلورنسا الإيطالية، وهي الإبنة الثانية لوليام إدوارد وفرانسيس نايتنغل، وانتقلت رفقة عائلتها من إيطاليا إلى بريطانيا حيث قضت معظم فترات شبابها وطفولتها، وهناك حيث أسست لمسار غير مسبوق، كأول ممرضة في التاريخ، لتفارق الحياة في العاصمة لندن في 13 غشت من سنة 1910.
خلفية ثقافية وعشق للتمريض
وكانت طفولة فلورنس تنذر بأنها ستكون امرأة عظيمة في المستقبل، فكانت غير راضية أبدا عن الصورة النمطية والأدوار التقليدية التي كانت تناط بالمرأة آنذاك، فكانت طفلة ذكية ذات خلفية ثقافية وفكرية واسعة، لا سيما وأن والدها كان يهتم بتعليمها جيدا، وتلقينها معارف من التاريخ والفلسفة والأدب كما كانت متميزة حتى في الرياضيات واللغات، وكانت تستطيع القراءة والكتابة بلغات مختلفة غير الإيطالية والإنجليزية، مثل الفرنسية والألمانية واليونانية واللاتينية.
وفي سنة 1851، خطت فلورنس أولى خطواتها في طريق حلمها، فتعلمت التمريض في معهد الشماس البروتستانتي في ألمانيا، وهناك حيث تلقت تكوينا حول آداب المهنة وأساسياتها، فتعلمت قواعد النظافة والتطهير، وكيفية الاعتناء بالمرضى، وانطلاقا مما تعلمته، قامت بوضع قواعد التمريض التي ما يزال معمول بها إلى حد الآن، كتوجيهاتها المتعلقة بغسل اليدين، كما أنها من أسست للخدمات التمريضية والإدارية داخل المستشفيات.
وكانت فلورنس تؤمن بأن حبها وشغفها الكبيرين بالتمريض ليسا عشوائيين، بل هما اختيار وتوجيه الرب الذي اصطفاها للتخفيف من معاناة المرضى والفقراء، وأمام طموحها الكبير صُدمت باعتراض أسرتها عن اختياراتها، لكون هذه المهنة لا تناسب مكانة عائلتها الأرستقراطية، لكنها بقيت متشبثة بحلمها ومضت في طريقها لتعلم التمريض.
وحين أكملت تعليمها، اشتغلت في إحدى مستشفيات لندن، من أجل رعاية مرضى المدينة، كما كانت تشغل منصب المسؤولة عن إدارة المستشفى، وبذلك وضعت القواعد الأساسية للتمريض الحديث وخطت أسس المهنة.
ودفعها الولع بالتمريض وحب مشاركة هذه المهنة الشريفة، إلى تأسيس أول معهد متخصص في التمريض في إنجلترا، فاشتغلت عليه يوما تلو الآخر، وبعد عناء طويل تحقق مرادها واختارت له اسم “معهد السيدات النبيلات للعناية بالمرضى”، الذي تحول من بيت صغير يحمل عدد قليل من النساء اللواتي يوحدهن حب التمريض، إلى أكبر مبنى يستقطب أعداد كبيرة من الممرضات.
خدمة جنود الحرب
حين اندلعت حرب القرم في أكتوبر 1853 بين الامبراطورية الروسية والدولة العثمانية التي كانت تدعمها دول الحلفاء، بريطانيا وفرنسا، كانت أعداد القتلى والجرحى تزداد يوما تلو الآخر، كما أن نقص الإمدادات الطبية وغياب كفاءات تمريضية زاد من تأجيج الوضع، لدرجة أن الصحف المرموقة آنذاك بدأت في الكتابة عن الحالة المزرية للرعاية الصحية المقدمة للجنود.
ما دفع وزير الحرب هربرت فلورنس، إلى دعوة نايتنغيل إلى الإشراف على مجموعة من الممرضات والالتحاق بالجنود في تركيا لتقديم الرعاية الصحية اللازمة لهم، فكان له ما طلب وحلت هي وفريقها في المنطقة، وكانت سببا رئيسيا في انخفاض معدلات الوفيات واستمرت في علاج الجرحى ومعطوبي الحرب إلى نهاية الصراع في سنة 1856.
سيدة المصباح
يعرفها الكثيرون بـ”سيدة المصباح”، لكن القليل من يدرك فعلا سبب هذا اللقب، فسميت كذلك لأنها كانت تتجول ليلا في ميدان القتال وهي تحمل مصباحا يضيء عتمة الليل، باحثة عن مصابين لإسعافهم، وحين انتهت الحرب وعادت إلى إنجلترا تلقت رسالة خاصة من الملكة فيكتوريا، تحيي فيها روح وطنيتها العالية وتفانيها في خدمة الجنود.
كما تعاون المجتمع البريطاني في جمع هدية مالية وتقديمها لها تقديرا لمجهوداتها، فاستخدمتها في بناء وتطوير معهد “بيت نايتنغيل” لتدريب الممرضات، الذي ما يزال إلى حدود الآن مفتوحا أمام طلبة التمريض. كما كان لها دور أساسي في ميلاد منظمة “الصليب الأحمر الدولية” للأعمال الإنسانية خلال الحروب، اقتداءا بما قامت به نايتنغيل.