هشام الهداني.. سفير للمطبخ المغربي بالأندلس تبدع أنامله أطباقا تنطق بعبق الأصالة المغربية

يقال أن الطباخ الجيد مثل الساحر الذي يوزع السعادة، وهشام الهداني فنان يملك بين يديه قدرا من السحر كفيل بأن يغير المزاج، حيث تبدع أنامله أطباقا تنطق بعبق الأصالة المغربية، لكن بلمسة عصرية تذهل الأعين قبل الأذواق؛ فكل طبق يُقدمه هو تجربة فريدة، تأخذ الزوار في رحلة زمنية لحظية من مطعم فاخر لتجوب بهم أزقة مدينة فاس العتيقة، وأسواق مراكش المزدحمة، أو تخوم الأطلس الشاهقة.

فلم يكن يعلم هشام الهداني الذي قادته فطرته وهو طفل صغير إلى دخول المطبخ، بشغف وحماس طفوليين، أنها ستكون فترته التدريبية وأن مشيئة القدر كانت تهيئ لتجعله يوما ما سفيرا للمطبخ المغربي في بلاد الأندلس.

وهشام الهداني هو شيف تنفيذي ومستشار مغربي، يمتلك خبرة واسعة في مجال الطبخ والتسيير الفندقي، عمل في العديد من المطاعم العالمية وساهم في إعادة فتح العديد منها، يعتبر من أبرز الطهاة المغاربة الذين يبدعون في المزج بين النكهات التقليدية والحديثة.

يؤكد هشام الهداني في هذا الحوار الذي أجرته معه جريدة “سفيركم” الإلكترونية، أن بداية مشواره، لم تكن بينة المعالم، لكنه كان طفلا شغوفا بالمطبخ ومحبا لمكوناته وعناصره، حيث كان الدخول إليه وإعداد أطباق لأسرته من طقوسه المعتادة والمحببة، مبرزا أن المطبخ لم يكن بالنسبة له مكانا عاديا، بل ملاذه ومختبره التجريبي، الذي تعلم فيه التقنيات الأساسية للطبخ بمساعدة أسرته، ومن هناك كانت انطلاقته نحو التميز، حيث يقول : “اكتشفت موهبتي في الطبخ منذ صغري، حيث كنت دائماً أحب تجربة وصفات جديدة ومساعدة أفراد العائلة في المطبخ. كانت البداية بسيطة جداً، حيث بدأت بتعلم أساسيات الطبخ في المنزل قبل أن أقرر التخصص في هذا المجال بشكل احترافي من خلال الدراسة والعمل في المطاعم.

وعلى الرغم من استقراره في إسبانيا، إلا أنه لم يسمح للثقافة الإسبانية أن تطمس معالم كل شيء مغربي يكتنز روحه، ولا سيما الطبخ المغربي، بل بقي متشبتا بجذوره وأصالة ثقافته، حاملا على عاتقه هم التعريف به في دولة كانت في الأمس القريب تتقاسم مع هذه المملكة نفس التاريخ، مشيرا إلى أنه يعشق تحضير بعض الأطباق التقليدية، قائلا: “من الأطباق المغربية المفضلة لدي الطاجين باللحم والخضر، الرفيسة، والحريرة. أستمتع جدا وأنا أحضرها لأنها تجسد الروح الأصيلة للطبخ المغربي”، مبرزا أن تجربته كشيف مغربي جعلته يستنتج أن الزبناء الأجانب غالبا ما يحبون الطاجين بأنواعه والبسطيلة، في حين يميل المغاربة أكثر إلى الأطباق التقليدية مثل الكسكس والحريرة.

ومن المعلوم أن الطبخ المغربي بتنوعه وثرائه، يأسر قلب كل من يتذوقه للمرة الأولى، ويبث فيه روح “تمغربيت” لتحوله إلى عاشق يتخبط في هيام ثقافة تأسر الصغير كما الكبير، وهو ما جعله يتبوأ مكانة الكبار في قائمة المطابخ العالمية، لكن على الرغم من هذا التميز، إلا أن محاولات السرقة كانت دائما تتربص به، من قبل بلدان لطالما حسدت المغرب على حضارته وتاريخه العميق، محاولة انتزاع موروثه الثقافي لنسبه إليها، فمنها من كان مصيرها الفشل ومنها من خلقت الجدل، ما يبرز بحسب هشام ضرورة توثيق المطبخ المغربي وتشجيع الشباب على الحفاظ عليه من خلال مجموعة من البرامج التكوينية التي تراعي ذلك.

وفي هذا الصدد قال الشيف المغربي: “الحفاظ على الموروث الثقافي في الطبخ يتطلب توثيق الوصفات التقليدية، وتشجيع الطهاة الشباب على تعلمها وتقديمها بطرق مبتكرة، وكذا الترويج للمأكولات المغربية عالميا، ومن المهم أيضا تعليم الأجيال الجديدة أهمية هذا التراث والعمل على الحفاظ عليه”.

وبما أن روحه لا تكتفي فقط بالموجود، بل تواقة دائما للمزيد، لم يكتفي هشام بممارسة حبه للطبخ في المغرب فقط، بل قرر أن يخوض غمار تجربة جديدة فكانت وجهته هي إسبانيا، وجهة سلك دربها بعد أن تظافرت مشيئة القدر مع اختياراته الشخصية، حيث قال: “اختياري للعيش في إسبانيا كان مزيجا من الظروف الشخصية والمهنية، حيث كانت لدي رغبة كبيرة في اكتساب خبرة جديدة والانفتاح على ثقافة مختلفة، وهذا ما ساهم في اتخاذي لهذا القرار”.

وأكد هشام على أن طريقه لم تكن مفروشة بالورود، بل شابتها الكثير من التعثرات، مؤكدا أن اختلاف اللغة والثقافة كانتا أكبر عائق واجهه في الديار الإسبانية حال دون اندماجه، قائلا: “الاندماج لم يكن سهلا في البداية بحكم اختلاف اللغة والثقافة، ولكن مع مرور الوقت والاحتكاك بالناس تمكنت من ابتغلب على هذه العقبات، فالتعلم المستمر والرغبة في الانفتاح على الآخرين ساعداني كثيرا”.

وفي هذا الحوار فتح هشام لنا قلبه وتقاسم معنا جزءا من أحلامه وآماله المستقبلية، متحدثا عن لحظات كانت محملة بألوان من الفرح، ظلت عالقة في ذاكرته كصفحات تأبى أن يتم طيها، قائلا: بالفعل، تراودني فكرة فتح مطعم يجمع بين المطبخ المغربي والإسباني، يقدم تجربة فريدة تجمع بين نكهات البلدين”، مضيفا “المواقف التي لن أنساها هي اللحظة التي تلقيت فيها أول عرض عمل، كان تحديا كبيرا بالنسبة لي، لكنني فخور جدا بهذا الإنجاز، وفي المغرب، كان الموقف الأكثر تأثيرا هو حصولي على أول عمل في بلدي، بصدق كان شعورا لا يوصف”.

وشدد هشام على أن مغاربة العالم يتقاسمون نفس جرعة الحب للمغرب، ويتملكهم نفس الحنين إليه، مردفا: ” مغاربة الخارج متمسكون جدا بالطبخ المغربي والثقافة المغربية، ولديهم دائما حنين لكل ما هو مغربي، فالطبخ هو وسيلة للتواصل مع الجذور والهوية، وهذا الأمر يبقى حاضرا بقوة عند المغاربة في الغربة”.

وبما أن الخير يطلق العنان للعظمة الكاملة داخل الإنسان، لم يأبى هشام الهداني إلا أن يشارك من يخططون للالتحاق بركب الطهاة ومغاربة الخارج عصارة ما جادت به تجربة سنين من عمره، قائلا: “حياة الغربة سيف ذو حدين، فيها جوانب جميلة وأخرى صعبة، وأنصح الشباب الراغبين في ولوج مجال الطبخ أن يكونوا صبورين، ويتعلموا من كل تجربة، ويعملوا على تطوير مهاراتهم بشكل مستمر، فالشغف والعمل الجاد هما مفتاح النجاح”.

تعليقات( 0 )