أتقاسم معكم في هذا الفضاء الأزرق هذه الوثيقة التاريخية الهامة التي عمرها 132 سنة، تعكس شكلا من أشكال ممارسة السلطة بالدولة المغربية على عهد السلطان الحسن الأول، بمنطق الدولة، لحماية المغاربة اليهود من أي شطط للسلطة ضدهم.
الأمر يتعلق هنا بالمغاربة اليهود بمراكش بعد أن طالهم ظلم وجور من عامل مراكش حينها محمد ويدة السوسي، الذي بلغت أخباره إلى السلطان من مصادر غير يهودية بل مسلمة.
ورغم أن السلطان لم يتوصل بأية رسالة تظلم من أولئك المغاربة اليهود بادر من تلقاء نفسه كمسؤول عن أمور الدولة المغربية إلى مراسلتهم ليخبرهم بالقرارات التي اتخذها لصالحهم حماية لهم كمغاربة في الأول وفي الأخير.
الرسالة تقدم الدليل على الشكل الذي ظل يتعامل به مع المغاربة اليهود على مستوى الدولة المركزية، مما يقدم دروسا كثيرة اليوم لجهات متعددة هنا وهناك، داخل المغرب وخارجه.
علما أنه حين كانت الدولة المغربية تعامل أبناءها من الديانة اليهودية بالحرص على التساوي أمام الحقوق والواجبات مثلهم مثل إخوتهم من المسلمين، كانت مجتمعات ودول أخرى في أوروبا وفي الغرب عموما تعاملهم معاملة فيها خروق حقوقية بلا ضفاف.
الرسالة هذه بعثها وزير خارجية المغرب (وزير الأمور البرانية)، حينها محمد المفضل غريط الذي شغل ذلك المنصب ما بين سنتي 1873 و1894، إلى كبار المغاربة اليهود بمراكش يوم الإثنين 26 دجنبر 1892 (الموافق سابع جمادى الثانية 1310). مصدر الوثيقة كتاب “مظاهر يقظة المغرب” الجزء الأول، الصفحة 60 لصاحبه المؤرخ المغربي محمد المنوني.
تقول الرسالة/ القرار:
“من عبد الله وزير الأمور البرانية بالحضرة العالية، أعز الله أمرها وأبد فخرها.
إلى كافة يهود ملاح مراكش، أخص منهم حزانة جموعهم وأساقفتهم وتجارهم وأعيانهم.
أما بعد، فقد بلغ لشريف علم حضرة سيدنا العالية بالله أعزها الله:
أن عاملكم القايد محمد ويدة السوسي لم يحسن السيرة معكم وعاملكم معاملة غير مليحة وشدد عليكم، فلم يلق ذلك بسيدنا نصره الله ولم يعجبه لأنكم أهل ذمته ومن رعيته فلا يحب أيده الله أن يقع لكم تضييق أو ظلم من أحد أو معاملة بمكروه وإنما يحب أن تكونوا في أمن وأمان من ذلك وعلى حالة مليحة وفي عيشة رضية، وعز به الحال دام تأييده ونصره حيث بلغه ذلك عنكم من عند الناس ولم يبلغه من عندكم، إذ كان من حقكم أن تكتبوا لأعتابه الشريفة بالإعلام بذلك كما يكتب بعض تجاركم ومقدميكم لها في الأمور. وقد أمرني نصره الله بالكتابة لكم بأن تكونوا تكتبوا لنا بما يقع لكم وذلك لنطالع به علمه الشريف، كما أمرني أيده الله بإعلامكم بأنه أصدر أمره الشريف للعامل المذكور بأن يحسن السيرة معكم ويعاملكم بمثل ما يعامل به من إلى نظره من المسلمين من الحكم عليكم في الدعاوي المخزنية بما يقتضيه الحق فيها مثل ما يحكم به على المسلمين ويجريكم مجراهم في جميع الأمور من غير فرق. ويرد دعاويكم الشرعية لأساقفتكم وحزانتكم ويمشي مع أهل الحمايات منكم على مقتضى الشروط والقوانين، ومن حاد عنها يطالع به شريف علم مولانا دام علاه.
والتمام في 7 جمادى الثانية عام 1310 هجري”.
لحسن العسيبي
تعليقات( 0 )