الطاهر بن جلون.. كاتب يروض الكلمات لتخدم ما يخالجه

الطاهر بن جلون

الطاهر بن جلون، يقول عنه الكثيرون، إنه كاتب يتصارع مع نصفيه الفرنسي والمغربي، بينما يقول البعض الآخر، إنه مسلم منتصر للقضايا الإنسانية، ويضحد البعض الآخر ذلك، بكونه متأسلما متنكرا لقضايا أمته، لكن ما يجمع عليه أغلب منتقديه ومؤيديه، أن حب المغرب يسكنه.

والطاهر بن جلون، هو أديب مغربي فرنكفوني، ينتمي إلى الجيل الثاني من كتاب الفرنسية في المغرب، يكتب في الشعر، والرواية والقصة، وهو من مواليد 1 دجنبر من سنة 1944، بمدينة فاس، انتقل منها إلى مدينة طنجة عام 1955، حيث التحق بمدرسة فرنسية.

وأكمل الطاهر بن جلون، دراسته الجامعية في شعبة الفلسفة بالرباط، وحين أعلنت الحكومة المغربية عزمها، تعريب تعليم الفلسفة في سنة 1971، قرر أن يسافر إلى فرنسا، التي حصل فيها على شهادة الدكتوراه، في طب الأمراض النفسية الاجتماعية.

وكانت بدايته مع الكتابة، بعد مدة وجيزة، من وصوله إلى العاصمة الفرنسية باريس، حيث اشتغل ككاتب مستقل مع صحيفة “لوموند”، إذ ينشر فيها أشعاره ورواياته.

موقفه من العنصرية الأوروبية ضد المهاجرين

وفي عدد كبير من مقالاته وإنجازاته الأدبية، كان بنجلون يعبر عن توجهه العلماني، كما أنه كان في أكثر من مناسبة، ما ينتقد العنصرية التي تنخر جسد المجتمعات الأوروبية، معتبرا إياها نتيجة مباشرة للفشل في إدماج المهاجرين، ومؤكدا أن مسؤولية هذا الأمر، تتحملها الحكومات الأوروبية، التي فشلت في إدماج المسلمين، في نظامها وتكوينها العلماني، والمهاجرين الذين لا يبذلون أي جهد، للتكيف مع البلد وأسلوب العيش الجديد به.

رفضه الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول عليه السلام

وكان الطاهر بن جلون، قد خلق الجدل، حين كتب مقالا في جريدة “لوموند”، عنونه بـ”الإسلام الضعيف”، تساءل فيه ما إذا كان الإسلام، قد وصل إلى “مستوى عال من الهشاشة، ليكون مهددا في وجوده وأركانه وقيمه، مع ظهور أي فيلم أو صور أو رسم كاريكاتوري؟”، وهو السؤال الذي أجاب عنه بالنفي، موضحا أن الهشاشة لم تلحق بالإسلام وقيمه، بل ضربت المسلمين، الذين وصفهم بالغارقين في جهلهم.

واستنكر الطاهر بن جلون، الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للإسلام وللرسول عليه السلام، التي نشرت في مجلة فرنسية، وذكر أنها لم تتجرأ على نشر رسوم مماثلة للبابا أو للكنيسة، لافتا إلى أن ذلك، يزيد من العداوة والكراهية تجاه المسلمين في الغرب.

نصفه الفرنسي

يصر بن جلون على أنه كاتب فرنسي، بالرغم من أن الفرنسيين لا يعترفون له بذلك، حيث سبق وقال في “مهرجان الأدب العالمي.. اللغة والمنفى”، الذي نظمته “ريفيو أوف بوكس”، بلندن سنة 2010، إنه شعر بالاستياء، عندما وجد كتبه تباع في المكتبات الفرنسية، على الرفوف المخصصة لـ “الأدب الأجنبي”.

حب المغرب

أما عن حبه للمغرب، فقد عبر في مقال له على صحيفة “لوموند”، عن سعادته الكبيرة جراء الإنجاز التاريخي، الذي حققه المنتخب المغربي، حيث قال: “في حياتي، عشت لحظتين تاريخيتين في غاية الأهمية: عودة الملك محمد الخامس (1909-1961)، في 16 نوفمبر 1956 (العودة التي أدت إلى استقلال المغرب). ثم تأهل أسود الأطلس يوم العاشر من دجنبر الجاري لنصف نهائي كأس العالم”.

وتابع: “حدثان لا علاقة لهما ببعض، ولكن كان لهما تأثير استثنائي على الشعب المغربي بأكمله. حشود مبتهجة، وأعلام ترفرف في كل مكان، رجال ونساء وأطفال اختلطوا في فرح مشترك، في احتفال عفوي وصادق وحيوي”.

ولم يعبر عن حبه لبلده فقط في المقالات، بل حتى في الكتب والروايات، حيث سبق له وعنون إحدى رواياته بـ “عشاق الدار البيضاء”، التي حكى فيها عن قصة حب كلاسيكية بين زوجين شابين، التقيا في مرحلة الدراسة بفرنسا، وتزوجا في المغرب وكونا أسرتهما، لكن حبهما سيواجه بعض الصعوبات بما فيها الخيانة.

أما في كتابه الأخير، الذي يحمل عنوان “قاموس عشاق المغرب”، فقد ترجم فيه عشقه لوطنه، من خلال رحلة استكشاف علاقته الحميمة مع هذا البلد الأصيل والمتنوع، حيث يحمل قيما عميقة لازمته منذ ولادته في المدينة القديمة بفاس، ويروي هذا الكتاب ذكريات غنية ومشاعر وتفاصيل بسيطة، من حياة الكاتب التي ينقلها للقارئ،في قالب نثري يجعله يتعرف على سحره وغنى ثقافته.

موقفه من القضية الفلسطينية

وفي أحدث ظهور إعلامي له، خلق بن جلون ضجة كبيرة، بعد نعته عناصر “حماس” بالحيوانات، حيث قال في مقال له نشر بموقع “لوبوان” الفرنسي: “أنا، المغربي العربي والمسلم بالولادة والثقافة والتربية التقليدية، لا أستطيع أن أجد الكلمات لأقول كم أشعر بالرعب مما فعله مقاتلو حماس باليهود”.

وزاد قائلا: “عندما تهاجمُ الوحشيّة النساء والأطفال، تصبح همجية لا عذر أو مبرر لها إطلاقا.. القضية الفلسطينية تم اغتيالها في 7 أكتوبر 2023 على يد عناصر متعصبة، عالقة في أيديولوجية إسلامية من أسوأ الأنواع”.

وواصل في نفس المقال المعنون بـ “الـ7 من أكتوبر، موت القضية الفلسطينية.. اغتيالها”، بالقول: “الحيوانات لم تكن لتفعل ما فعلته حماس. ولا يصلح وصف وزير في حكومة نتنياهو، وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، سكان غزة بالحيوانات… لا، بل هناك أناس بلا ضمير، بلا أخلاق، بدون إنسانية ارتكبوا المذابح، ثم هناك سكان يعانون، ليسوا بالضرورة مسلحين ولا همجيين”.

وأوضح الكاتب المغربي أثناء مروره في برنامج “المواجهة”، الذي يعده ويقدمه الإعلامي بلال مرميد، جوابا على اتهامه بالتخلي عن القضية الفلسطينية، أن ما كتبه كان بناء على ما فعلته حركة حماس، “دون أن تراعي العواقب الوخيمة لفعلتها على الشعب الفلسطيني في غزة”، مشيرا إلى طريقة رد إسرائيل عليها، من خلال شن غارات على القطاع، وقصف المدنيين، وإمطار المناطق المأهولة بالسكان بالقنابل دون أي اعتبار.

وبين المتحدث ذاته، أنه وهب حياته وكتاباته، ومداخلاته ومقابلاته التلفزيونية، التي بُثَّتْ على قنوات أوروربية، للدفاع عن القضية الفلسطينية، مؤكدا أنه يؤدي ثمن مواقفه غاليا.

وذكر في هذا الصدد، أن سفارة إسرائيل كانت قد احتجت على قصيدة شعرية له، كان قد نشرها في جريدة “لوموند”، بعد اجتياح الجيش الاسرائيلي قرية رفح، وذلك لأن الشعر له قوة كبيرة على التأثير على مواقف الناس ومشاعرهم، وأنه أخطر من الكتابة، رافضا بشكل قطعي، أن توجه له اتهامات بخيانة القضية الفلسطينية والتخلي عنها.

مؤلفاته
يزخر سجل الطاهر بن جلون، بمجموعة من المؤلفات والإنتاجات الأدبية، ويتعلق الأمر بـ “أقصى درجات العزلة”، و”طفل الرمال” 1985، و”ليلة القدر” 1987؛ التي نال عنها جائزة غونكور في نفس السنة، و”يوم صامت في طنجة”.

بالإضافة إلى “ليلة الغلطة” 1996، و”نزل المساكين” 1997، ثم “صلاة الغائب” و”تلك العتمة الباهرة” المكتوبة في 2001، و”ليلتئم الجرح”، و”السعادة الزوجية”، و”حين تترنح ذاكرة أمي” 2006، و”الشرارة: انتفاضات في البلدان العربية ويليها بالنار”، و”الإستئصال”، و”عشر ليال وراوٍ”.

ناهيك عن “عينان منكسرتان” 2017، و”العقاب” 2018، و”عشاق الدار البيضاء”، و”قاموس عشاق المغرب” وغيرها.

وأصدر الطاهر بن جلون كذلك، مجموعة من النصوص القصصية والدواوين الشعرية، من قبيل “ذاكرة المستقبل” 1976، وديوان “في غياب الذاكرة” 1980، والمجموعة القصصية “الحب الأول هو دائما الأخير” 1995.

الجوائز
أما عن الجوائز، فقد حصل الطاهر بن جلون، على “جائزة غونكور الفرنسية العالمية”، عن روايته “ليلة القدر”، ليتم استقباله مباشرة بعدها، من طرف الملك الحسن الثاني وتوشيحه بوسام ملكي. وفي سنة 2010، نال الجائزة الدولية للشعر “أركانة”، تقديرا لموهبته في الكتابة والشعر.

وفي سنة 2022، تم تتويجه في إيطاليا، خلال حفل اختتام الدورة الـ34 لجائزة “كاميوري- فرانسيسكوبيلوميني” الأدبية الدولية، عن مجموعته الشعرية “الألم ونور العالم”، التي تسلط الضوء على مآسي العالم المعاصر وجماله.

موهبة الرسم

ولاقى اتجاهه إلى الرسم صدى واسعا، وإعجابا كبيرا من طرف مجموعة من النقاد، الذين يشيدون بلوحاته ورقي اختياراته للألوان، وتميزه هذا جعله ينظم عددا من المعارض التشكيلية في المغرب وخارجه.

وفي هذا الإطار، يقول الناقد المغربي، عزيز الداكي، إن “الخطوات الأولى لبنجلون كرسام، تتميز بعالم مذهل من الألوان، يجري نسجه بطريقة عفوية تقريبا، حيث نكون مع قصاصات من الأقمشة، ومن الذكريات المنتمية إلى عالمين؛ عالم الرسام واضح تماما، بتأثيرات لماتيس وسونيا دولاناي، باستثناء أن الميزة الشخصية للأعمال لا تترك مجالا للشك، في الطريقة التي يمارس بها بنجلون الرسم، من دون مركب نقص. ويمسك بنجلون بالرسم،رغبة في لذة إعطاء شكل للخطوط والأشكال والألوان”.

وفي تصريح سابق للطاهر بن جلون، قال إنه “يطمح من خلال الفن، إلى المساهمة، في الحوار بين الأديان والثقافات، ونقل قيم التسامح والتعايش، والقيم العريقة التي يتبناها المغرب”.

تعليقات( 0 )

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

مقالات ذات صلة

الذكرى 103.. حين هزم الخطابي الجيش الإسباني في أنوال

تحليل النتائج “الاستثنائية” لباكالوريا 2024.. الدكتور التوزاني في حوار مع “سفيركم”

32 دولة تتنافس والمغرب يتصدر القائمة.. انتصار ساحق للمطبخ المغربي

بشرى أهريش لـ”سفيركم”: أحضّر لافتتاح موسم فني وثقافي في مسرح المنصور

نادية الشلاوي تمثل المغرب في لجنة تحكيم “جائزة عمار 2024” العربية