لا تزال قضية احتجاز السائحة البريطانية، كوليت روبنسون، في إحدى المصحات الخاصة بمدينة مراكش، بسبب عدم قدرتها على أداء فاتورة علاجها بعد تعرضها لأزمة قلبية، تثير الجدل.
ووفقا لتقرير نُشر في صحيفة “نيويورك بوست” في 18 فبراير 2025، تواجه السائحة االبالغة من العمر 58 عاما، خطر الاعتقال في المغرب إذا لم تدفع فاتورة طبية بقيمة 28,000 دولار (280 ألف درهم).
وكانت روبنسون في عطلة لمدة عشرة أيام في مراكش عندما أصيبت بنوبة قلبية في 11 فبراير، وتم نقلها إلى مستشفى خاص حيث خضعت لعملية تركيب دعامة.
ونظرا لأنها لم تحدّث بوليصة التأمين الخاصة بها لتشمل نوبة قلبية سابقة تعرضت لها في شتنبر 2024، أصبحت مسؤولة عن تكاليف العلاج بالكامل.
ويحاول ابنها، جاك غيلدر، حسب التقرير الصحفي، التفاوض على خطة سداد شهرية، لكن المستشفى يطالب بالدفع الكامل للمبلغ دفعة واحدة، مع التهديد باعتقالها إذا لم يتم السداد، حسبما جاء في التقرير.
وقد أصدر المرصد الوطني لمحاربة الرشوة بيانا استنكر فيه احتجاز المصحة للسائحة البريطانية، مطالبا بفتح تحقيق واتخاذ إجراءات صارمة لضمان عدم تكرار مثل هذه الحالات، التي قد تؤثر سلبا على سمعة المغرب كبلد منفتح على العالم وملتزم بحقوق الإنسان.
وأكد المرصد، في بيان توصل منبر “سفيركم” بنسخة منه، أن هذه الحادثة تطرح تساؤلات جدية أمام الجهات الوصية على قطاع الصحة ببلادنا، حول مدى احترام المؤسسات الصحية، لا سيما الخاصة منها، للأخلاقيات المهنية والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق المرضى.
كما شدد على أن ممارسة الطب هي رسالة إنسانية وأخلاقية قبل أن تكون نشاطا تجاريا، وأن التعامل مع المرضى بمنطق الربح التجاري البحت يتنافى مع المبادئ الأساسية لمهنة الطب، فضلا عن القوانين والأعراف الدولية المنظمة لهذا القطاع.
وشدد المرصد على أن الحق في العلاج هو حق إنساني أساسي لا يمكن أن يكون مشروطا بالقدرة المالية، مطالبا في الوقت ذاته بضمان حق المرضى في الاطلاع على الفواتير التفصيلية للخدمات الطبية المقدمة لهم، تفاديا لأي تضخيم غير مبرر للتكاليف أو استغلال لحالات الطوارئ الصحية.
كما أكد على ضرورة ضمان حق المريض في اتخاذ قراراته العلاجية بناء على معلومات واضحة وشفافة، بعيدا عن أي شكل من أشكال الإكراه أو الضغط المالي.
وطالب البيان الجهات المختصة بتعزيز دور المستشفيات العمومية في تقديم الخدمات الصحية للحالات الطارئة، تفاديا لتحويل القطاع الصحي إلى مجال تجاري بحت، حيث يصبح العلاج رهينا بالقدرة المالية للمريض بدلا من كونه حقا إنسانيا مكفولا.
كما شدد على ضرورة فرض رقابة صارمة على المصحات الخاصة لضمان احترامها لقواعد الشفافية والأخلاقيات المهنية، وتفادي أي تجاوزات قد تضر بسمعة المغرب وثقة المواطنين والزوار في نظامه الصحي.
وفي سياق متصل، دعا المرصد إلى إحداث صندوق خاص، تديره هيئة الأطباء أو إحدى المؤسسات الوطنية، يكون مخصصا لتغطية الحالات الاستثنائية والعاجلة، لضمان استمرارية الخدمات الصحية دون المساس بحقوق المرضى.
وطالب بإلزام المصحات والمستشفيات بنشر لائحة الأسعار المرجعية بشكل واضح، لتمكين المواطنين والمقيمين والزوار من معرفة التكاليف المتوقعة قبل الخضوع لأي إجراء طبي.
ولم يفت المرصد التأكيد على ضرورة مراجعة آليات الحصول على الملف الطبي، بحيث يكون من حق المريض الاطلاع الكامل على كافة التفاصيل المتعلقة بعلاجه، بما في ذلك الإجراءات الطبية التي خضع لها، والأدوية والمستلزمات المستخدمة.
كما شدد على أهمية تدخل المشرع العاجل لوضع إطار قانوني واضح يحمي حقوق المرضى في المعلومات، ويضمن توثيق جميع الإجراءات الطبية المنجزة بشفافية، حتى لا يُترك المرضى عرضة لأي تجاوزات أو استغلال مالي.
وختم المرصد بيانه بدعوة السلطات المختصة إلى تفعيل إصلاحات جذرية في قطاع الصحة، تحقق التوازن بين الحقوق المالية للمؤسسات الصحية، والحق الأساسي للمواطنين والمقيمين والزوار في العلاج بكرامة وعدالة، في إطار ممارسة طبية أخلاقية وإنسانية تحترم قدسية المهنة ورسالتها النبيلة.