تعد الهجرة القروية من الظواهر الاجتماعية والاقتصادية الهامة التي يشهدها المغرب، وتعتبر نتيجة طبيعية للتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والمناخية التي تؤثر على المناطق الريفية، مما يدفع سكانها إلى البحث عن فرص جديدة في المناطق الحضرية.
وتعكس هذه الهجرة، تحديات كبيرة تشمل الضغط على البنية التحتية والخدمات في المدن، وتغيير النسيج الاجتماعي والثقافي، بالإضافة إلى التأثيرات الاقتصادية في الوقت نفسه.
وفي هذا السياق، قال عبد الرحيم عنبي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط، في تصريحه لجريدة “سفيركم”، إن “المغرب شهد موجات جفاف قاسية في بداية الثمانينيات، ففي القرن 17 عشر تميز ب 21 سنة متتالية من الجفاف مما أثر بشكل كبير على المناطق القروية”.
وحسب عنبي، أدى الجفاف إلى تراجع الأنشطة الفلاحية وارتفاع أسعار الأعلاف، مما دفع العديد من الأسر للهجرة نحو المدن مثل الدار البيضاء، الرباط، مراكش، فاس، وقبائل الحياينة وتونات، وهي المدن التي كانت تلعب دورا أساسيا في احتواء المهاجرين من البادية، حيث قدمت الزوايا والمساجد الدعم اللازم لهم، كما كان للسلطات دور كبير في تقديم المعونات.
وأضاف المتحدث، “يتسبب الجفاف في تغييرات مناخية تؤدي إلى تضرر الأوساط البدوية بشكل كبير، مما يزيد من معدلات الوفيات وانتشار الأمراض والأوبئة والمجاعات، ونتيجة لهذه الظروف القاسية، يتوجه السكان من المناطق البدوية إلى المدن التقليدية مثل فاس، مراكش، الرباط، سلا، طنجة، وتازة”.
وذكر هذا الأخير، أن هذه الهجرة تتسبب في ضغط كبير على الموارد الحضرية، حيث تصبح المدارس والمستوصفات والأسواق مكتظة بالسكان، كما تبرز بعض الظواهر السلبية مثل التسول وتعاطي المخدرات والدعارة، وظهور أحياء الصفيح وأحزمة الفقر.
وإلى جانب الجفاف، أشار عنبي، إلى أن تراجع النشاط الفلاحي يُعزى إلى “انخفاض المردودية وصعوبة العمل الزراعي، كما أن الشباب يسعى للهجرة نحو المدن أو الخارج بحثا عن حياة أفضل، تاركين وراءهم كبار السن والنساء”.
وأوضح عبد الرحيم عنبي، أن الأجور المتدنية للعاملين في القطاع الفلاحي تساهم أيضا في هذه الظاهرة، كما أن التعليم يلعب دورا كبيرا في الهجرة القروية، حيث يفضل المتعلمون البقاء في المدن بعد إكمال دراستهم، وحتى الذين لم يكملوا تعليمهم العالي يسعون للعيش في المدن أو الهجرة إلى الخارج بحثا عن فرص أفضل.
كما أن ندرة المياه وصعوبة الحياة في المناطق القروية تؤدي إلى نزوح الأسر نحو المدن التي تتحمل العبء الأكبر في استيعاب هؤلاء المهاجرين، ليظل الجفاف المحرك الرئيسي للهجرة القروية.
ورغم وجود برامج ومشاريع تنموية تسعى لتحسين الوضع في المناطق القروية، يبقى الجفاف والتغيرات المناخية تحديا كبيرا.
كما أن تزايد الهجرة القروية يؤدي إلى تغييرات ديموغرافية واجتماعية في المدن المستقبلة للمهاجرين، وهذه التغييرات تؤثر على النسيج الاجتماعي والثقافي، حيث يحمل المهاجرون معهم عاداتهم وتقاليدهم التي قد تتماشى أو تتعارض مع الحياة الحضرية.
وبالإضافة إلى ذلك، تؤثر هذه الهجرة على الاقتصاد الحضري، يضيف عنبي، حيث يزداد الطلب على الوظائف والخدمات بشكل يفوق قدرة المدن على الاستيعاب، مما يؤدي إلى تفاقم البطالة والفقر.
ومن ناحية أخرى، حسب المتحدث، يمكن أن تكون الهجرة القروية فرصة للتنمية إذا ما تم استثمارها بشكل صحيح، تطوير سياسات تعزز التكامل الاجتماعي والاقتصادي للمهاجرين يمكن أن يساهم في تحويل التحديات إلى فرص.
ويمكن أن يساعد توفير التعليم والتدريب المهني للمهاجرين الجدد، في تحسين فرص العمل وتقليل الفقر، كما يمكن للاستثمار في البنية التحتية الحضرية أن يخفف من الضغط على الموارد ويساهم في تحسين جودة الحياة لجميع السكان.
وتظل الهجرة القروية قضية معقدة تتطلب تدخلا متعدد الأبعاد يشمل سياسات زراعية فعالة، لتطوير البنية التحتية في المناطق القروية، وتعزيز التكامل الاجتماعي والاقتصادي في المدن.
وهذا التدخل يمكن أن يساهم في تحقيق توازن مستدام بين المناطق الحضرية والريفية، مما يضمن حياة كريمة لجميع المواطنين بغض النظر عن مكان إقامتهم.