تشكل قبائل الصحراء المغربية، جزء لا يتجزأ من هوية المغرب، منذ آلاف السنين، وارتبط اسمها بسلاطين الدولة العلوية، والملاحم الكبرى التي عاشت على وقعها المملكة، وساهمت بشكل كبير في ترسيخ مفهوم الدولة الحديثة، والدفاع عن الوحدة الترابية في وجه خصوم البلاد.
ووفق دراسة أنجزها ’’المعهد الملكي للدراسات الإستراتيجية’’، حول قبائل الصحراء، فإنه من وجهة نظر إثنوغرافية، يشكل المنحدر الشمالي الغربي لبلاد البيضان ’’تراب البيضان’’، أي المنطقة التي تسكنها مجموعة البيضان العرقية، وهي مجموعة عرقية تتميز باستخدام اللغة الحسانية، وهي لهجة قبائل بني حسان، التي تتحدث بها أيضا مجموعة الحراطين، وهي مجموعة تختلف عن البيضان، غير أنها تشاركها نفس الأصل على الأقل جزئيًا، وكلتا المجموعتان مغربيتان.
اللغة تمييز أساسي للقبائل المغربية عن الشرق والسودان
وأوضحت الدراسة ذاتها، أن استخدام اللغة من قبل قبائل الصحراء المغربية، يعتبر تمييزا أساسيا عن الطوارق الموجودين في الشرق، والسودانيين في الجنوب، وأمازيغ منطقة سوس المغربية في الشمال.
علاوة على ذلك، تتميز هذه المجموعة العرقية، بنمط عيشها التقليدي، القائم على الترحال، الذي تم التخلي عنه، بشكل واسع، في الوقت الراهن، وكذا العادات والتقاليد الخاصة، والتنظيم الاجتماعي القبلي، والهوية الجماعية القائمة على صلة أنساب بمجموعتين كبيرتين من الأسلاف، شيوخ بدو بنو حسان، الذين وصلوا حوالي القرن الخامس عشر، في إطار الهجرة الكبرى التي قامت بها قبائل بنو هلال، وبدرجة أقل زعماء قبائل صنهاجة الأمازيغية ذائعي الصيت.
وأكدت الدراسة، أنه لا يمكن لسكان الصحراء، المطالبة بهوية متمايزة إلا بطريقة محدودة للغاية، لأنهم جزء من مجموعة عرقية جغرافية أكبر، وقد كانت تقلبات المفاوضات الدبلوماسية بين فرنسا وإسبانيا، وراء رسم الحدود التي عزلت سكان الصحراء عن باقي سكان المغرب، خلال الفترة الاستعمارية. وبالتالي لا يمكن التمييز بين الهوية الصحراوية، وهوية القبائل الواقعة في الشمال.
وأشار المصدر ذاته، إلى أنه نتيجة لذلك، يعد اختزال التمايز العرقي بين سكان الصحراء وبقية سكان المغرب، في استخدام الحسانية بدل اللغة الأمازيغية أو الدارجة، وفي التناقض بين نمط عيش الرحل ونمط آخر قائم على الاستقرار، جهلا وإنكارا لهوية المغرب المتعددة المصونة طوال التاريخ، والمكرسة في دستور البلاد وعاداته. حيث أن للهوية المغربية الحالية طابعا شاملا، فهي تتشكل من مجموعات سكانية مختلفة للغاية عن بعضها البعض، من عرب وأمازيغ ومسلمين ويهود….’’
البيعة رابطة سيادة
وأوردت معطيات الدراسة، حول قبائل الصحراء المغربية، أنه تم الاعتراف بالروابط القانونية للبيعة، التي طالما جمعت القبائل الصحراوية بسلاطين المغرب، من قبل محكمة العدل الدولية، في رأيها الصادر في 16 أكتوبر 1975، وينطبق الأمر نفسه، على النقاش المطروح أعلاه، حول جانب السيادة المرتبط بهذه البيعة نفسها، مؤكدة أنه “لطالما كانت البيعة أساس الدولة المغربية، وحيثما تواجد السكان المرتبطون بها كانت السيادة قائمة”.
البيعة وإمارة المؤمنين
وتتأتى البيعة من إمارة المؤمنين، في وقت الاستعمار على وجه الخصوص؛ حيث كان السلطان يمتلك على غرار الحلفاء في الدول الحاكمة الإسلامية الأخرى، سلطة سياسية ودينية ودنيوية، ولا يكون هناك أي فصل بين المجالين الديني والسياسي، وفق الدراسة ذاتها.
وأضافت أنه بالنسبة للسلاطين والخلفاء؛ تخضع الشؤون العامة للضوابط والتعاليم الدينية، كما يشكل القرآن والحديث والسنة المصادر القانونية “التشريعية” و”القضائية” و”الإدارية.’’
وينبع مفهوم الملكية التنفيذية، التي تقوم على أساس البيعة، من قيام رئيس الدولة، بإدارة الشؤون الدينية والدنيوية على حد سواء. كما لم تتغير مؤسسة البيعة بمرور الوقت، وبالرغم من تباين مظاهر لامركزية السلطة، ونطاقها ومدى ممارستها حسب الأزمنة والظروف، إلا أنها بقيت دائما سائدة في المغرب؛ على اعتبار أن البيعة هي “الحجر الأساس في السلامة الترابية وقاعدتها”.