سيرة اليوم هي سيرة سيدة غنت بإحساس عميق وصدق نادر، تحمل في صوتها دفء البيوت المتواضعة وضجيج الأزقة التي لا تنام، لم تركض خلف الشهرة المشرقية بل بقيت في مغربها ومنه أنشدت بصوتها القوي العاطفي، نبرة حزينة متفردة تسللت إلى القلوب، لتبصم على مر السنوات على مسار استثنائي جعلها بحق “سيدة الطرب المغربي”، إنها نعيمة سميح.
أغاني هذه المطربة الفذة تحولت مع مرور الزمن إلى ذاكرة معلقة في وجدان المغاربة، بخامتها الصوتية التي بقيت تعبر المسافات، وتحمل معها ظلال الفقد وألوان الأمل، وبرحيلها اليوم غاب جسدها، لكن صدى صوتها سيبقى ليذكرنا بأن بعض الأصوات تولد من عمق الأرض، وتبقى حية ما دام هناك من يصغي.
ولدت نعيمة سميح في سنة 1954 في درب السلطان بمدينة الدار البيضاء، وترعرعت في بيئة تعرف قيمة الكفاح والعمل الجاد، وتزخر بقيم الاختلاف والتعددية، التي ساهمت في تشكيل جزء كبير من شخصيتها الفنية، وهي البيئة التي كانت تخرج أبنائها أكثر صلابة.
وفي سن السادسة عشرة، فتحت نعيمة الباب على مصراعيه أمام عالم الشهرة الأضواء من خلال برنامج “مواهب”، الذي كان بوابة نجوم كُثر، تحت إشراف عبد النبي الجراري، الرجل الذي امتلك مفاتيح لا تُمنح إلا لمن شعر بصدق صوته، وهناك حيث بصمت على حضور قوي ما جعلها تحظى باهتمام واسع في بداياتها.
لم تبحث عن الأضواء خارج بلدها، بل اختارت أن تظل قريبة من جمهورها ومن جذورها، محافظة على مغربيتها، وفيه قدمت مجموعة من الأعمال الخالدة، من قبيل: “ياك آجرحي”، “غاب علي الهلال”، و”جاري يا جاري”، كما تعاونت مع نخبة من الشعراء والملحنين، مثل: علي الحداني، أحمد الطيب العلج، عبد القادر الراشدي، وعبد القادر وهبي وغيرهم.
ودخلت في سنة 1977، تاريخ الأغنية العربية كأصغر فنانة عربية، وثالث مطربة تؤدي على خشبة مسرح الأولمبيا في باريس، بعد أم كلثوم وفيروز، لكنها اختارت منذ سنة 2007 أن تنسحب بهدوء لم يشبه صخب مسيرتها، من خشبات المسارح وأضواء الكاميرات، قبل أن تترجل عن صهوة الحياة تاركة ورائها إرثا غنائيا سيظل شاهدا على تجربة فنية مميزة طبعت الأغنية المغربية الحديثة.
صوت عشقه الملوك:
وصوت نعيمة سميح المغربي الأصيل؛ وجد طريقه مباشرة إلى قلوب الملوك، إذ كان الملك الراحل الحسن الثاني يكنّ لها معزة خاصة، مختلفة عن أي فنان آخر في زمانها، كان يعشق أغانيها، ويُقال إنه كان يتعامل معها بودّ خاص، حتى أن البعض وصفها بـ”مدللة الملك”، وفق ما ذكره مقال منشور بجريدة الاتحاد الاشتراكي، تحت عنوان “فنانون وجها لوجه مع الملك”.

وتقدير ملوك المغرب لهذه الفنانة، ظهر واضحا في الصورة الشهيرة التي التُقطت للراحل الحسن الثاني وهو يمسك بيد نعيمة سميح بلطف، ويقودها بخطى واثقة نحو الفرقة الموسيقية في إحدى المناسبات الرسمية بالقصر الملكي، ناهيك عن توشيحها في سنة 2007 بوسام الكفاءة الوطنية من قبل الملك محمد السادس اعترافا بمسيرتها الفنية الحافلة بالعطاء.
