كشف موقع “ذا نيويورك تايمز” الأمريكي، أن صانعي القرار في الاتحاد الأوروبي قد اتفقوا، يوم الجمعة الماضي، على تشريع قانون جديد شامل ينظم عملية استخدام الذكاء الاصطناعي، وذلك بعد مفاوضات عديدة.
وتعد هذه الخطوة أولى التدابير المتخذة على المستوى العالمي، من أجل تقييد استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، التي تتطور بسرعة وتحدث تأثيرات اجتماعية واقتصادية مهمة.
وأوضح موقع “ذا نيويورك تايمز”، أن “قانون الذكاء الاصطناعي”، يعد بمثابة معيار عالمي جديد للدول التي تسعى للاستفادة من إمكانيات هذه التكنولوجيا، وحماية نفسها في ذات الوقت من مخاطرها المحتملة، مثل التشغيل التلقائي للوظائف، ونشر المعلومات الخاطئة عبر الإنترنت، وتعريض الأمن الوطني للخطر، مشيرا إلى أنه بالرغم من ذلك، يحتاج هذا القانون إلى بعض اللمسات النهائية للموافقة عليه.
ذا نيويورك تايمز: الاتحاد الأوروبي يصدر قانون يقيد استخدام الذكاء الاصطناعي
وتابع التقرير ذاته، أن صناع السياسات الأوروبية قد ركزوا على الاستخدامات الأكثر خطورة للذكاء الاصطناعي من طرف الشركات والحكومات، بما في ذلك تلك المتعلقة بإنفاذ القانون وتشغيل الخدمات الحيوية في مجال المياه والطاقة، حيث سيواجه صناع أكبر أنظمة الذكاء الاصطناعي العامة، مثل “تشات جي بي تي”، شروطا جديدة للشفافية.
وأفاد الموقع الأمريكي، أنه بموجب مسودة هذا القانون، سيتم تقييد استخدام برامج التعرف على الوجوه من قبل أجهزة الشرطة والحكومات، مع وضع استثناءات تتعلق بالسلامة والأمن الوطني، كما أن الشركات التي تنتهك هذا القانون يفرض عليها غرامات مالية تصل إلى 7 في المائة من المبيعات العالمية.
وجاء في تصريح قدمه تييري بريتون، المفوض الأوروبي المكلف بالشؤون الرقمية، لموقع “ذا نيويورك تايمز”، أنه “بعد إبرام أوروبا لهذا الاتفاق السياسي المتعلق بتقييد استخدام الذكاء الاصطناعي، تضع هذه القارة نفسها كرائد عالمي، يدرك أهمية دوره كمحدد للمعايير العالمية”.
وذكر الموقع أنه في الوقت الذي يُشيد العديدون بالقانون كخطوة تنظيمية مهمة، ما تزال هناك مجموعة من الأسئلة حول مدى فعاليته، خاصة وأنه كان من المتوقع أن تستغرق مجموعة من الجوانب السياسة مدة تتراوح بين 12 و24 شهرا للتنفيذ، وهو وقت طويل بالنسبة لتطوير الذكاء الاصطناعي.
وواصل المصدر أنه إلى حدود لحظة الاتفاق الأخيرة، كان صانعو السياسات والدول يتصارعون حول لغته وكيفية تحقيق التوازن بين تعزيز الابتكار والإبداع وضرورة الحفاظ على الحماية من المخاطر المحتملة.
وكان هناك إلحاح شديد على الحكومات من أجل تنظيم الذكاء الاصطناعي، خاصة بعد إصدار “تشات جي بي تي” في العام الماضي، الذي أصبح حديث العالم بأسره.
ففي الولايات المتحدة، أصدرت إدارة بايدن أمرًا تنفيذيًا مؤخرًا يركز جزء على آثار الأمان القومي للذكاء الاصطناعي، وكانت بريطانيا واليابان ودول أخرى قد اتخذت تدابير مستقلة، فيما فرضت الصين بعض القيود على استخدام البيانات وخوارزميات التوصية.
وذكر الموقع أنه بفضل تريليونات الدولارات التي تحققها هذه التكنولوجيا، يتوقع أن يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل الاقتصاد العالمي، حيث كان وزير الرقمنة الفرنسي، جان نويل بارو، قد قال في هذا الأسبوع : “تسبب الهيمنة التكنولوجية الهيمنة الاقتصادية والسياسية”.
وأبرز “ذا نيويورك تايمز”، أن أوروبا تعد واحدة من أكثر المناطق تقدما في تنظيم الذكاء الاصطناعي، حيث بدأت في العمل على هذا القانون منذ سنة 2018. وفي السنوات الأخيرة، حاول قادة الاتحاد الأوروبي إضافة مستوى جديد من الرقابة على التكنولوجيا، على غرار تنظيم الرعاية الصحية أو الصناعات المصرفية، حيث أصدرت الكتلة الأوروبية بالفعل قوانين شاملة تتعلق بخصوصية البيانات والمنافسة وضبط المحتوى.
ونشرت مسودة قانون الذكاء الاصطناعي الأولى في عام 2021، لكن صانعي السياسات وجدوا أنفسهم أمام صياغة القانون مع ظهور اختراقات تكنولوجية، حيث أن النسخة الأولية لم تتضمن النماذج العامة للذكاء الاصطناعي مثل تلك التي تشغل “تشات جي بي تي”.
واتفق صانعو السياسات على ما أسموه “نهج قائم على المخاطر” لتنظيم الذكاء الاصطناعي، حيث ستحتاج الشركات التي تصنع تقنياته، والتي تشكل تهديدا على الأفراد والمجتمع، إلى تقديم أدلة إلى الجهات الرقابية، متعلقة بتقييم المخاطر، وتفاصيل حول البيانات التي يجري استخدامها لتدريب الأنظمة، وتأكيد بأن البرمجيات لا تتسبب في الضرر مثل تكريس التحيزات العنصرية. مع ضرورة توفر إشراف بشري على عملية إنشاء ونشر الأنظمة.
وقال الموقع الأمريكي إن مناقشة الاتحاد الأوروبي لهذا القانون، أكبر دليل على أن الذكاء الاصطناعي أربك صانعي السياسات. وكانت آراء المسؤولين الأوروبيين متضاربة حول شدة تقييد الأنظمة الحديثة للذكاء الاصطناعي، خوفا من إعاقة الشركات الأوروبية التي تحاول مضاهاة الشركات الأمريكية مثل جوجل و”أوبن إيه آي”.
ولفت الموقع إلى أنه ستجرى مراقبة اللوائح الجديدة عن كثب على مستوى عالمي، حيث أنها لن تؤثر فقط على مطوري الذكاء الاصطناعي الكبار، مثل “جوجل”، و”ميتا”، و”مايكروسوفت” و”أوبن إيه آي”، ولكن أيضًا على الشركات الأخرى المتوقع أن تستخدم التكنولوجيا في مجالات، مثل التعليم والرعاية الصحية والخدمات المصرفية.
وتظل آليات تنفيذ هذا القانون غير واضحة، حيث سيشمل جهات رقابية من 27 دولة، ويتطلب توظيف خبراء جدد في وقت تعد فيه الميزانيات الحكومية محدودة.