كشف تقرير حديث نشره معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أن الولايات المتحدة تسعى إلى إطلاق مسار سلام جديد بين المغرب والجزائر، يقوم على تسوية النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية في إطار مبادرة الحكم الذاتي التي اقترحتها الرباط سنة 2007، باعتبارها الأساس الواقعي الوحيد لأي مصالحة مستقبلية بين البلدين.
وأوضح التقرير، الذي أعدته الباحثتان سابينا هينبرغ وسهير مديني، أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعمل على صياغة خارطة طريق دبلوماسية طويلة الأمد تهدف إلى إعادة فتح قنوات التواصل بين الرباط والجزائر بعد سنوات من القطيعة، مستفيدة من موقعها كصاحبة القرار في مجلس الأمن خلال عملية تجديد ولاية بعثة الأمم المتحدة في الصحراء “المينورسو”، لاستعمال نفوذها في الضغط على الأطراف ودفعها نحو مقاربة أكثر واقعية.
وأشار التقرير إلى أن الرهان الأمريكي يتمثل في إقناع الجزائر بالانتقال من منطق “تقرير المصير” الذي لم يعد يحظى بأي دعم دولي، إلى منطق “البراغماتية السياسية”، والقبول بمقترح الحكم الذاتي كإطار عملي لحل النزاع، مؤكدا أن نجاح واشنطن في ذلك سيكون بمثابة تحول تاريخي في العلاقات المغاربية المتوترة منذ عقود.
وأضاف معهد واشنطن أن الولايات المتحدة تراهن على نفوذها المتزايد في المنطقة، خاصة بعد اعترافها بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية في دجنبر 2020، وعلى شراكاتها الأمنية والاقتصادية مع الجزائر، لتلعب دور “الوسيط الفاعل” القادر على التوفيق بين مصالح الطرفين المتعارضة.
وحذر التقرير من أن تحقيق أي تسوية سريعة بين البلدين غير ممكن حاليا، بالنظر إلى حالة انعدام الثقة التي تراكمت منذ قطع العلاقات الدبلوماسية في غشت 2021، وتبادل الاتهامات بالتآمر وزعزعة الاستقرار الإقليمي، لاسيما بعد تصريحات المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف التي قال فيها إن فريقه يعمل على اتفاق سلام “قد يكون جاهزا خلال 60 يوما”.
وأبرز المصدر ذاته على أن أي تحرك أمريكي يجب أن يكون تدريجيا وبعيد المدى، ويركز على بناء الثقة من خلال خطوات عملية مثل استئناف الرحلات الجوية أو إعادة فتح المعابر الحدودية المغلقة منذ سنة 1994، معتبرا أن مجرد استئناف الحوار المباشر بين البلدين سيكون إنجازا في حد ذاته.
وأكد التقرير أن واشنطن تعتبر مبادرة الحكم الذاتي المغربية الإطار الأكثر واقعية ومرونة لإنهاء النزاع، وأن مشروع القرار الأمريكي الجديد لتجديد ولاية “المينورسو” يمثل فرصة لإعادة توجيه العملية الأممية نحو هذا الخيار الواقعي الذي يحظى بدعم متزايد داخل المجتمع الدولي.
وفي تعليقه على ما جاء به التقرير الأمريكي، قال سالم عبد الفتاح، رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، إن الولايات المتحدة الأمريكية تبدو مقتنعة أكثر من أي وقت مضى بضرورة إغلاق ملف الصحراء المغربية، عبر فرض حل سياسي واقعي ونهائي يستند إلى مبادرة الحكم الذاتي، باعتبارها الصيغة الوحيدة القادرة على ضمان الاستقرار في شمال إفريقيا والساحل.
وأضاف أن تقرير معهد واشنطن للدراسات الشرق الأدنى سالف الذكر حول فرص السلام بين الجزائر والمغرب، يؤكد على أن الوساطة الأمريكية مرشحة لتشكل نقطة تحول في مسار النزاع، خاصة في ظل إدراك واشنطن أن استمرار التصعيد الجزائري لا يخدم مصالحها ولا مصالح شركائها في المنطقة، بل يفتح المجال أمام قوى منافسة، كروسيا وإيران، لتوسيع نفوذها في فضاء الساحل والصحراء.
واستطرد أن الولايات المتحدة الأمريكية باتت تراهن على تحريك المياه الراكدة للعلاقات المغربية الجزائرية من خلال توظيف أدواتها الدبلوماسية وموقعها داخل مجلس الأمن لأجل حلحلة ملف النزاع المفتعل حول الصحراء من خلال تكريس مرجعية مبادرة الحكم الذاتي كإطار تفاوضي وحيد.
وأردف سالم أنها تعمل على الدفع في اتجاه انخراط الجزائر المباشر في المسار السياسي، بعد أن ظلت لعقود تختبئ خلف ذريعة “الحياد”، في حين ينفضح دورها كطرف رئيسي يتحكم في ميليشيات البوليساريو ويسخرها لخدمة أجندات ضيقة تتمثل أساسا في تقويض الأمن والاستقرار الإقليميين.
وذكر أن الوساطة الأمريكية يمكن أن تواجه صعوبات بنيوية، يأتي في مقدمتها تصلب الموقف الجزائري الذي يفتقر إلى أي رؤية واقعية، خاصة مع استمرار انتهاجه لمنطق العداء الممنهج ضد المغرب، فضلا عن أزمة الثقة العميقة الناتجة عن القطيعة الدبلوماسية وتراكم الحملات العدائية التي يقودها الإعلام الجزائري الرسمي ضد المملكة.
وواصل أنه على الرغم من هذه الصعوبات المحتملة، إلا أن واشنطن لديها من أوراق الضغط ما يمكنها من التأثير في الموقف الجزائري، خاصة ما يتعلق بإمكانية تصنيف الجبهة الإنفصالية كمنظمة إرهابية، وإمكانية الدفع بطي الملف على المستوى الأممي أو سحب البعثة الأممية في الصحراء، الأمر الذي سيكرس الحسم الميداني الذي تحققه المملكة.
وقال إن واشنطن مطالبة بإدارة دقيقة لتوازناتها، لكونها تحاول التوفيق بين تحالفها الاستراتيجي مع المملكة من جهة، وبين حرصها على إبقاء قنوات التواصل مفتوحة مع الجزائر في ملفات الطاقة والأمن الإقليمي واستغلال الثروات الطبيعية، من جهة أخرى.
واعتبر سالم عبد الفتاح أن فرص النجاح تبقى كبيرة إذا ما استثمرت واشنطن الثقة التي تجمعها بالمملكة، واستطاعت أن تقنع الجزائر بأن التمسك بالجمود لن يؤدي إلا إلى مزيد من العزلة التي تعانيها، لافتا إلى أن التصالح مع المملكة لن يعد تنازلا، بل مصلحة استراتيجية تضمن لها موقعا في الترتيبات الإقليمية الجديدة، في وقت تتجه فيه المنطقة نحو تحالفات براغماتية تضع الاستقرار والتنمية فوق الحسابات الإيديولوجية المتجاوزة.
وشدد على أن المغرب يملك اليوم أوراق القوة والمشروعية، بفضل نجاحاته الدبلوماسية والتنموية في الأقاليم الجنوبية، وبفضل الاعترافات العديدة بسيادته على الصحراء والدعم المتنامي لمقترح الحكم الذاتي.
وخلص بالقول إن الكرة الآن في الملعب الجزائري حيث بدأ المجتمع الدولي يضيق ذرعا بنزاع مفتعل طال أمده، مؤكدا أن الوقت قد حان لطي صفحته، الأمر الذي يتطلب تبني المقاربات الواقعية والعقلانية والتحلي بالشجاعة السياسية، بعيدا عن الطروحات الإنفصالية الراديكالية التي وصفها بـ”الحالمة”.

