كشف فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، وجود فجوة كبيرة في أسعار الأدوية بالمغرب، حيث تباع بعض الأدوية بأسعار تفوق بأربع إلى خمس مرات نظيراتها في الأسواق العالمية، وفي بعض الحالات تصل الفجوة إلى تسع مرات مقارنة بفرنسا وبلجيكا. جاء ذلك خلال التصويت على الجزء الأول من مشروع قانون المالية لعام 2025، أمس الثلاثاء في البرلمان.
وأوضح لقجع أن الهدف من خفض رسوم الاستيراد على الأدوية هو تقليل الأسعار محليًا، مشيرًا إلى أن هذا الإجراء يخص الأدوية غير المصنعة محليًا، لضمان وصولها للمواطنين بأسعار معقولة، دون المساس بالصناعة الصيدلانية الوطنية.
وفي السياق ذاته، كشف أمين بوزوبع، باحث في السياسة الدوائية والكاتب العام لكونفيدرالية نقابات صيادلة المغرب، لجريدة “سفيركم”، أن مناقشة أسعار الأدوية في المغرب يجب أن تتم بدقة، وليس من خلال “عناوين كبرى”.
وأكد أن النظام الدوائي الوطني يتطلب مقاربات قائمة على الحكامة وسياسات مندمجة، مشيرًا إلى أن أي قرار يتجاهل هذه الأسس والمقاربة التشاركية مع الصيادلة قد يؤدي إلى اختلالات يتحمل المرضى عواقبها.
وأشار بوزوبع إلى أن المرسوم الوزاري الصادر عام 2014 بشأن مسطرة تحديد أسعار الأدوية أدى إلى تراجع نسبة تغطية الأدوية المحلية للسوق الوطني من 80% إلى 50%.
وأضاف أن المرسوم، ” تسبب في اقتراب 4000 صيدلية من الإفلاس، بالإضافة إلى انقطاع واختفاء العديد من الأدوية. الأجدر الحديث عن أثمنة الأدوية بما يحقق الأمن الدوائي الوطني”.
وذكر الباحث نفسه أنه من الضروري التمييز بين الأدوية الرخيصة، مثل المضادات الحيوية وأدوية الأمراض المزمنة (خاصة الأدوية الشائعة الاستخدام، مثل أدوية الزكام، السعال، الحموضة المعدية، وغيرها)، والتي تتشابه أسعارها مع نظيراتها في أغلب دول العالم، “بل إن العديد منها أقل سعراً”.
في المقابل، تتطلب الأدوية الخاصة بعلاج الأمراض المستعصية، مثل السرطان، التهاب الكبد الفيروسي، والأمراض المناعية، أسعاراً أعلى في المغرب مقارنةً بتلك المسوقة في الخارج، حسب الباحث.
وفيما يخص رسوم الاستيراد، صرّح بوزوبع قائلاً: “لا أعتقد أن لرسوم الاستيراد تأثيراً كبيراً على أسعار الأدوية، إلا إذا كان هناك اتفاق ضمني بين المختبرات الدولية والدولة يقضي بخفض أسعار الأدوية المستعصية، والتي تصل إلى ملايين السنتيمات، مما يرهق كاهل المواطنين وصناديق التأمين”.
وبحسب بوزوبع، فإن المرسوم الوزاري الخاص بتحديد أسعار الأدوية في المغرب فشل في تحقيق أهدافه، إذ أدى إلى خفض أسعار الأدوية الرخيصة بنسب وصلت إلى 70%، بينما لم يتمكن من إيجاد حلول واقعية لخفض أسعار الأدوية الباهظة التي تتناسب مع الوضع الاجتماعي للمغاربة.
وأقر الكاتب العام للكونفيدرالية أن تحقيق الأمن الدوائي الوطني يعتمد على ضمان توافر الأدوية في الصيدليات، مشيرًا إلى أن هذا الهدف لن يتحقق إلا برفع أسعار الأدوية الرخيصة جدًا، مثل أدوية الغدة الدرقية التي يقل سعرها عن 6 دراهم، وأدوية الضغط والسكري التي تقل عن 20 درهمًا.
وأضاف أن هذا الوضع خطير للغاية، لأنه يدفع المختبرات إلى سحب هذه الأدوية من الصيدليات، نظرًا لأن إنتاجها يتسبب في خسائر مادية، موضحا بالقول، “هذا ما نشهده بالفعل في السنوات الأخيرة، من اختفاء وانقطاع للأدوية، دون أي تدخل لإصلاح هذا الوضع”.
وفي هذا السياق، عبر بوزوبع عن ضرورة التركيز على الفئتين الثالثة والرابعة من الأدوية، لأنها تشكل عبئًا كبيرًا على الأسر المغربية وصندوق الضمان الاجتماعي.
وحذّر من أنه في حال إهمال هذا الجانب، سنواجه انهيارًا تامًا للصيدليات وإغلاق العديد منها، رغم أنها تُعَد صمام أمان للأمن الدوائي الوطني.
وأردف بوزوبع أن استقرار الصيدليات يعتمد بشكل أساسي على بيع الأدوية الرخيصة، مما يتيح لها توفير الأدوية والخدمات الصحية في المناطق القروية والنائية، وهو مكسب وطني يجب الحفاظ عليه.
وأضاف أن معظم الدول المتقدمة تفوّض الكثير من سياساتها وخدماتها الصحية إلى الصيدليات، نظرًا لدورها في تحقيق سياسة القرب، وهو ما ينبغي استثماره في المغرب لتعزيز النظام الصحي الوطني.
وختم بوزوبع حديثه مشددًا على أن الحكامة تتطلب رفعًا رمزيًا لأسعار الأدوية الرخيصة جدًا، حفاظًا عليها من الاندثار، مع ضرورة إجراء مراجعة جذرية في الوقت ذاته لأسعار الأدوية في الشريحتين الثالثة والرابعة، التي تتجاوز أسعارها 1000 درهم، بهدف تخفيضها.
تعليقات( 0 )