خلقت المصادقة على مشروع القانون التنظيمي للحق في الإضراب خلال الجلسة العمومية التشريعية، المنعقدة يوم أمس الثلاثاء، مواقف متباينة لدى أحزاب الأغلبية والمعارضة في مجلس النواب، ففي الوقت الذي نوهت فيه أحزاب الأغلبية بالتعديلات الحكومية على هذا المشروع، معتبرة إياه “لحظة سياسية تاريخية”، عبرت بعض أحزاب المعارضة عن رفضها القاطع له، وموافقتها النسبية على مضامين تعديلاته.
أحزاب الأغلبية:
حزب التجمع الوطني للأحرار:
أكد إسماعيل الزيتوني، وهو نائب برلماني عن فريق التجمع الوطني للأحرار، خلال الجلسة التشريعية، أن المصادقة على مشروع قانون الإضراب تمثل “لحظة سياسية ودستورية وحقوقية مهمة”، نظرا لما لهذا المشروع من تأثير مصيري على النسيج الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للبلاد، مشيدا بجهود الحكومة الحالية ووزير الشغل في “كسر الجمود” الذي ظل يخيم على هذا الملف لأكثر من ستة عقود.
وأشار الزيتوني إلى أن الحكومة قد نجحت بالفعل من خلال مشروع هذا القانون في استكمال مسار تنزيل دستور سنة 2011، الذي تأخر لسنوات بسبب انعدام الحوار والتشاركية في الولايات التشريعية السابقة، مؤكدا أنه يعكس إرادة حقيقية من الحكومة لتعزيز حقوق الشغيلة والوفاء بالتزاماتها تجاه الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين، ورغبتها في الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، لاسيما وأن غياب إطار قانوني ينظم الإضراب تسبب في أضرار كبيرة للاقتصاد الوطني.
وذكر المتحدث ذاته أن أحزاب الأغلبية الثلاثة؛ بما في ذلك حزبه، قدمت ما مجموعه 27 تعديلا على مشروع القانون التنظيمي للإضراب، ترمي إلى تعزيز الحكامة وضبط ممارسة الإضراب بشكل يحترم حقوق العمال ويأخذ بعين الاعتبار مصالح أرباب العمل، من بينها: مراجعة لغة وبنية النص، وضبط الجهة الداعية للإضراب لضمان ممارسة الحق دون أي تضييق، بالإضافة إلى تحقيق التوازن بين حق الإضراب وحرية العمل، وحذف العقوبات الحبسية، والتركيز على ضمان أداء الحد الأدنى من الخدمات في المرافق العمومية أثناء الإضراب وغيرها.
حزب الأصالة والمعاصرة:
ومن جانبه، أوضح أحمد تويزي، رئيس فريق الأصالة والمعاصرة في مجلس النواب، أن النسخة المعدلة من مشروع القانون التنظيمي للإضراب ترمي إلى تصحيح اختلالات الصيغة السابقة التي كانت تستهدف تقييد هذا الحق الدستوري، معتبرا إياه أيضا “لحظة سياسية وتاريخية هامة”.
وأضاف أن الحكومة الحالية أدخلت تعديلات هامة على مشروع هذا القانون، بهدف تحقيق التوازن بين حقوق العمال ومصالح أرباب العمل، مع تعزيز حرية ممارسة هذا الحق بما يتماشى مع التوجهات الملكية الواردة في خطاب أكتوبر 2016، التي تشدد على ضرورة التوافق البناء والخوض في استشارات واسعة.
وواصل تويزي أن الحكومة كانت قد دخلت في مشاورات موسعة مع النقابات والأحزاب والفرق البرلمانية، كما انتظرت توصيات المؤسسات الدستورية المعنية، مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، مؤكدا أن النسخة الجديدة ألغت جميع البنود التي كانت تقيّد حق الإضراب، مع الأخذ بعين الاعتبار التعديلات التي قدمت من مختلف الأطراف، حيث تم استقبال أزيد من 300 تعديل على مشروع القانون الذي يتضمن 49 مادة.
وشدد تويزي على أن حزبه قد انخرط في مشروع هذا القانون بـ”مسؤولية” سياسية ووطنية، بعيدا عن الحسابات الضيقة، مشيرا إلى أن الهدف الأساسي هو تنظيم هذا المجال وضمان حماية حقوق العمال، مع التصدي للممارسات غير المؤسساتية التي كانت تثير التوترات بين الأطراف المعنية.
أحزاب المعارضة:
الفريق الاشتراكي:
ومن جهتها، رفضت عتيقة جبرو، نائبة عن الفريق الاشتراكي في المعارضة الاتحادية بمجلس النواب، التصويت بالقبول على مشروع قانون الإضراب، معتبرة أن الحكومة تشبثت بمواقفها في العديد من النقاط الخلافية المتعلقة بمشروع قانون الإضراب، كما أكدت أنه يجب على هذا المشروع أن يحقق التوازن بين معادلة حق الشغيل وحق المشغل، معتبرة أن هذا القانون يعكس التراكمات الديمقراطية التي ساهم فيها المغرب.
وشددت على أن مشروع هذا القانون لم يعكس التراكمات الديمقراطية التي ساهم فيها المغرب، كما يجب أن يحقق التوازن بين حق الشغيل والمشغل، قائلة إن “المشروع يتعلق بحقين: حق الشغيل في ممارسة الإضراب، وحق أرباب العمل في ضمان استمرار أعمالهم، وهذه هي المعادلة التي كان من المفروض أن تعالج بتوازن في هذا القانون”.
وانتقدت عتيقة جبرو تمرير هذا المشروع في الوقت الميت من الدورة السابقة، لا سيما وأن المراحل الأولى والمتمثلة في التقديم والمناقشة العامة كانت برمجتها خلال الأيام الأخيرة من الدورة، بينما بُرمجت مرحلة المناقشة التفصيلية بالتزامن مع مناقشة القانون المالي، مستنكرة عدم تقديم الحكومة لتصور واضح للنواب بخصوص الصيغة التي تبتغيها خلال المناقشة التفصيلية، بل اختارت أن تقدم صيغة المشروع الجديدة أثناء البت في التعديلات، ما لم يسمح لأعضاء البرلمان بممارسة حقهم في تقديم التعديلات.
الفريق الحركي:
وأبدى سعيد سرار، باسم الفريق الحركي بمجلس النواب، دعم حزبه للصيغة المعدلة من مشروع هذا القانون، ولا سيما في الشق المتعلق بتشجيع المصالحة قبل اللجوء إلى الإضراب وضمان حقوق الأطراف المعنية خلاله، منوها في ذات الوقت بالمقاربة التشاركية المعتمدة في صياغته، كما حث على ضرورة مراجعة شاملة لمدونة الشغل، بهدف إرساء إطار قانوني حديث ومتكامل للمنظمات النقابية وقوانين الإضراب، بما يتماشى مع السياقات الراهنة.
وطالب الفريق الحركي بمراجعة العقوبات الواردة في المشروع وتقليص آجال الإخطار، إلى جانب تعزيز الحريات النقابية في القطاعين العام والخاص، بما يحقق التوازن اللازم ويلزم جميع الأطراف بالالتزامات الضرورية، مع ضمان حيادية السلطة ونزاهة العمل النقابي.
وشدد سعيد سرار على أهمية إلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي، لتقييده حرية العمل النقابي، إلى جانب تعديل القوانين التي تنتهك هذه الحرية، داعيا إلى اعتماد قانون للإضراب يوازن بين الحقوق والواجبات ويعكس المصلحة العليا للوطن، بما يعزز حماية الحقوق النقابية ويسهم في تنمية الاقتصاد الوطني.