شهدت سنة 2024 نجاحات دبلوماسية مغربية بارزة في قضية الصحراء، خاصة في منطقة أمريكا اللاتينية التي كانت تُعتبر لعقود معقلا قويا لجبهة البوليساريو الانفصالية، وفق ما أكده الخبير السياسي في قضية الصحراء، محمد سالم عبد الفتاح، في تصريحات سابقة لـ”سفيركم”.
التحولات السياسية والدبلوماسية التي عرفتها المنطقة خلال هذه السنة تُبرز قدرة المغرب على قلب الموازين لصالحه، مُستندا إلى منطقية التاريخ والجغرافيا، ومنطق دبلوماسي محكم.
لطالما كانت أمريكا اللاتينية مرتعا للأفكار الاشتراكية منذ الحرب الباردة، حيث تبنت الأنظمة الحاكمة قضايا تقرير المصير والاستقلال التي وجدت صداها في دعمها لجبهة البوليساريو، فكان لهذه العلاقة التاريخية أثر كبير في تعزيز أطروحات الانفصال، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تغيرا واضحا في مواقف العديد من دول المنطقة، خاصة مع التغيرات السياسية والاقتصادية التي طرأت عليها.
استطاع المغرب في السنوات الأخيرة تفنيد المغالطات التي روّجتها البوليساريو لعقود، من خلال عمل دبلوماسي هادئ ومنهجي، ركزت المملكة على تقديم الحجج القانونية والتاريخية التي تُثبت سيادتها على الصحراء، مُستعينة بدعم شركائها الإقليميين والدوليين، فضلا عن تبني استراتيجية جديدة للتواصل مع دول أمريكا اللاتينية.
عام 2024 مثّل عام جني ثمار هذا العمل الدؤوب، حيث شهدت الساحة السياسية سحب العديد من الدول اعترافها بجمهورية “البوليساريو” الوهمية.
الإكوادور كانت واحدة من أبرز هذه الدول التي أعلنت دعمها الكامل للمغرب، في خطوة تاريخية كسرت تحالفات طويلة الأمد مع الجبهة الانفصالية، ثم تلتها بنما، التي كانت أول دولة تعترف بجمهورية البوليساريو في السبعينيات، لكنها عادت لتصحح موقفها بما يخدم مصلحة الاستقرار والتنمية في المنطقة.
إلى جانب الإكوادور وبنما، برزت البراغواي مؤخرا بدعمها للمغرب في قضية الصحراء، مُعلنة موقفا داعما على المستوى البرلماني، مع توقعات باتخاذ الحكومة البراغوانية خطوة مماثلة قريبا. هذا الدعم لم يكن مجرد تصريحات دبلوماسية بل جاء نتيجة لمحادثات وتفاهمات طويلة الأمد بين المغرب وهذه الدول.
التحولات التي شهدتها أمريكا اللاتينية تعكس تغيّر المزاج السياسي فيها، فمع تراجع تأثير الإيديولوجيات الاشتراكية التقليدية، برزت فرص جديدة للمغرب للتواصل مع صانعي القرار، مقدما نموذجا للتعاون الذي يتجاوز الشعارات الإيديولوجية.
مبدأ “رابح-رابح” الذي تبنته الدبلوماسية المغربية جذب انتباه العديد من الدول التي بدأت ترى في المغرب شريكا استراتيجيا يمكن الاعتماد عليه.
الدبلوماسية المغربية لم تقتصر على تقديم الحجج التاريخية والقانونية فقط، بل ركزت أيضا على تعزيز التعاون الاقتصادي والثقافي. اتفاقيات شراكة واستثمارات مشتركة لعبت دورا محوريا في إقناع دول أمريكا اللاتينية بأن التعاون مع المغرب يمكن أن يحقق منافع ملموسة لشعوبها.
ولعب الملك محمد السادس لعب دورا أساسيا في توجيه الدبلوماسية المغربية نحو التركيز على هذه المنطقة، مع تعزيز العلاقات مع دول أمريكا اللاتينية بشكل غير مسبوق.
في مقابل ذلك، بدا واضحا ضعف البوليساريو في مواجهة هذا الزخم الدبلوماسي المغربي، حيث فقدت الجبهة الانفصالية أحد أهم معاقلها التقليدية، ولم تعد قادرة على الحفاظ على التحالفات القديمة التي تآكلت بفعل التحولات السياسية والاجتماعية.
المغرب لم يكتفِ بإضعاف الدعم الذي كانت تحصل عليه البوليساريو، بل ركز على بناء شراكات استراتيجية تضمن استدامة هذا التحول لصالحه. هذه الشراكات تُعزز موقفه في المنتديات الدولية، وتُضعف أي محاولات لإعادة الترويج للأطروحات الانفصالية.
يُمكن القول إن سنة 2024 كانت عاما مفصليا في قضية الصحراء المغربية، وبداية النهاية لإقفال هذا الملف، ولا سيما أن المغرب نجح في “اختراق” قارة كانت بالأمس القريب من الصعب تخيل ذلك.