في وقت تروّج فيه وزارة التربية الوطنية لمشاريع الرقمنة والإدارة الذكية كجزء من مسار تحديث المدرسة العمومية، يجد عدد من الأساتذة أنفسهم في مواجهة يومية مع واقع تقني صعب يصفه فاعلون تربويون بـ”البيروقراطية الرقمية”، التي فُرضت دون توفير الشروط الضرورية لإنجاحها، حسب ما استقته “سفيركم” من فاعلين في قطاع التدريس.
فمنصة “مسار”، التي صُممت لتيسير عمليات مسك النقط وتبسيط الإجراءات الإدارية، أصبحت، بحسب تصريحات عدد من المدرسين، عبئًا إضافيًا يُثقل كاهلهم بدل أن تساهم في تسهيل مهامهم. ويشتكي هؤلاء من أعطاب تقنية متكررة، وصعوبات في الولوج إلى النظام، خاصة في الفترات الحساسة لتسجيل النتائج، ما يجعل احترام المواعيد المحددة شبه مستحيل في بعض الحالات.
ويرى مهنيون في القطاع أن الحديث عن تحول رقمي داخل مؤسسات تفتقر إلى التجهيزات الأساسية من حواسيب وربط جيد بشبكة الإنترنت، لا يرقى إلى كونه سوى “خطاب غير قابل للتنزيل”. في هذا السياق، يشير عدد من الأساتذة إلى أنهم اضطروا إلى استخدام أجهزتهم الخاصة والاشتراك في الإنترنت من مواردهم الذاتية، بل والعمل خارج أوقاتهم الرسمية، من أجل إتمام مهام يفترض أن تؤطرها الوزارة وتوفر وسائل تنفيذها.
وفي ظل تزايد الاعتماد على تطبيقات إلكترونية جديدة تتطلب هواتف ذكية حديثة وقدرات تقنية عالية، تبرز إشكالية حماية المعطيات الشخصية، إذ يُطلب من الأساتذة تحميل تطبيقات على هواتفهم الخاصة لإدخال بيانات حساسة، في ظل غياب أي ضمانات قانونية واضحة.
وفي تصريح لموقع “سفيركم”، قال الفاعل التربوي والأستاذ عبد الوهاب السحيمي: “وزارة التربية الوطنية بعيدة كل البعد عن التفعيل الحقيقي للرقمنة، وتختزل وتنظر الى الرقمنة، على شكل مراسلة فقط، حيث تصدر مراسلة وتعتبر أن بتلك المراسلة سيتم إنجاز الرقمنة، مشيرا إلى أن هذه المراسلات يتم تلقيها والتوقيع عليها، دون أن يكون لها أي تأثير”.
وأضاف السحيمي أن “الأستاذ يجد نفسه مطالبا بأن يصرف من ماله الخاص، لتنزيل هذه الرقمنة، التي تنعدم الشروط المادية لتنزيلها، وهي أعباء تضاف إلى أعباء أخرى يتحملها الأستاذ في العملية التربوية”، داعيا “الوزارة إلى إلى تمكين الأساتذة من وسائل الرقمنة سواء المادية أو التكوينات الأساسية الضرورية لتنزيلها”.
وأوضح الخبير التربوي “أن الرقمنة تبدأ بترفير الوسائل المادية، داخل المؤسسات التعليمية، بتجهيزها بقاعات للوسائط، تجهز بحواسيب ولوحات الكترونية، وربطها بشبكة انترنيت بصبيب مرتفع، وتوفير هذه الوسائل لعموم نساء ورجال التعليم، مع التكوين في هذه الآليات لنساء ورجال التعليم”.
ولفت المتحدث إلى أن “الوزارة احتفلت بشكل بهيج قبل بتلقيها لحوالي خمسين ألف لوحة الكترونية، من طرف المندوبية السامية للتخطيط، التي استعملت في عملية الاحصاء العام للسكان والسكنى، مع العلم أن عدد المتعلمين والمتعلمات يتجاوز تسع ملايين فكيف يمكن تغطية هذا العدد باللوازم الإلكترونية للرقمنة”.
وبالرغم من كون “مسار” يُفترض أن يشكل فضاء رقميا لتيسير تتبع المسار الدراسي للتلاميذ من طرف أوليائهم، فإن الأعطاب التقنية المتكررة وضعف صبيب الإنترنت يُضعفان من مردوديته، ويجعلان من العملية عبئًا جديدًا بدل أن تكون آلية تطويرية.
أمام هذا الواقع، تتعالى أصوات داخل القطاع التربوي تطالب بفتح نقاش جدي حول الشروط الفعلية لإنجاح الرقمنة في التعليم، وضرورة تحمل الوزارة مسؤوليتها في توفير البنية التحتية والموارد اللوجستيكية الضرورية، بدل الاستمرار في تحميل المدرسين أعباء إضافية لم يكونوا طرفًا في صنعها.