على أبواب الدخول المدرسي لسنة 2025، يتجدد النقاش حول موجة الغلاء التي أثقلت كاهل الأسر المغربية، وسط تضخم الأسعار للمواد الغذائية واللوازم المدرسية.
ويحذر خبراء الاقتصاد في هذا السياق، من تداعيات العوامل البنيوية والظرفية، مثل الاعتماد الكبير على الواردات، وتقلبات أسعار الشحن، وتراجع قيمة الدرهم، على القدرة الشرائية للأسر، وفي الآن ذاته، تبرز جمعيات حقوقية مخاطر الفوضى التسعيرية واستغلال بعض الفاعلين التجاريين للحاجة الملحة للأسر، مما يعمق الهشاشة الاجتماعية ويهدد استمرارية التمدرس، خصوصا لدى الفئات محدودة الدخل.
إن هذا الوضع، وفق كثيرين، يجمع بين بعد اقتصادي دقيق وصرخة حقوقية تسعى إلى لفت انتباه السلطات إلى ضرورة تدخل عاجل لضمان دخول مدرسي مريح وعادل.
العوامل الاقتصادية وراء غلاء المواد المدرسية والغذائية وتأثيرها على الأسر
أفاد إبراهيم دينار، أستاذ الاقتصاد النقدي والعلاقات الاقتصادية الدولية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، أن الارتفاع الملحوظ في أسعار المواد الغذائية واللوازم المدرسية خلال سنة 2025 يعود إلى تداخل عوامل بنيوية وظرفية أثرت بقوة على السوق الوطنية.
وقال دينار إن الاقتصاد المغربي، الذي يعتمد بشكل كبير على الاستيراد، يبقى هشا أمام التضخم العالمي المستمر وتقلب تكاليف الشحن، مشددا على أن تراجع قيمة الدرهم زاد من كلفة الواردات، وهو ما انعكس مباشرة على القدرة الشرائية للأسر.
وأبرز المتحدث ذاته أن آثار الجفاف التاريخي ما زالت تلقي بظلالها على الإنتاج الفلاحي، مما رفع من أسعار المواد الغذائية واضطر البلاد إلى استيراد المزيد من المنتجات الأساسية بكلفة مرتفعة.
وأكد دينار في تصريحه لـ موقع ” سفيركم” الالكتروني أن فترة الدخول المدرسي تعرف عادة ارتفاعا في الطلب غير المرن على الأدوات، وهو ما يستغله بعض التجار لتحقيق هوامش ربح إضافية، قائلا :” تأثير الغلاء على الأسر المغربية، لا سيما الفئات محدودة الدخل تعيش وضعا أصعب، إذ تضطر إلى تقليص الإنفاق على الصحة أو الغذاء لتغطية تكاليف الدراسة، بل قد تلجأ أحيانا إلى قروض استهلاكية أو أسواق غير رسمية بفوائد مرتفعة”.
وشدد دينار على أن بعض الأسر الفقيرة تجد نفسها مجبرة على التضحية بتمدرس أحد الأبناء، وغالبا ما يكون ذلك على حساب البنات، مما يهدد بارتفاع نسب الهدر المدرسي.
وأشار خبير الاقتصاد إلى أن الفوارق بين الوسط الحضري والقروي، حيث أن الأسر القروية تخصص نسبا أكبر من ميزانيتها للغذاء والتعليم مقارنة بالأسر الحضرية، ففي المدن، ورغم تنوع الأسواق وتوفر بدائل شرائية، فإن الأسر تواجه ضغطا إضافيا يتمثل في تأثير الإعلانات والرموز التجارية، بينما تبقى الأولوية في القرى للحاجيات الأساسية فقط.
وفي سياق الحديث ، دعا دينار الحكومة إلى تبني تدابير عاجلة للتخفيف من العبء على الأسر، من بينها توسيع برنامج “مليون محفظة”، وإقرار منح مدرسية مباشرة موجهة للأسر الهشة، إضافة إلى إعفاءات جمركية وضريبية على الورق واللوازم المدرسية، مشددا على ضرورة تثبيت أسعار الكتب المدرسية عبر اتفاقيات بين الوزارة والناشرين، وإطلاق منصات رقمية للإخبار بالأسعار ومكافحة المضاربة.
واقترح دينار أن تعزيز النقل المدرسي والمطاعم بالوسط القروي، وتقوية برنامج “تيسير”، وإنشاء بنوك تضامن للملابس والكتب المستعملة، إلى جانب الاستثمار في الرقمنة التعليمية واعتماد لوحات إلكترونية محملة بالكتب لتقليص الكلفة على المدى الطويل.
وأضاف دينار إن مواجهة هذه التحديات تتطلب مقاربة شاملة تجمع بين الدعم المالي المباشر، وضبط الأسواق، والاستثمار في البنية التحتية التعليمية، مؤكدا أن الدخول المدرسي الذي يفترض أن يكون مناسبة سعيدة للأطفال تحول إلى محنة مالية حقيقية للأسر المغربية.
موجة الغلاء تهدد الأسر والتمدرس.. دعوة عاجلة لتدخل الحكومة
من جهته، أفاد علي شتور، رئيس الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق المستهلك، أن موجة الغلاء المتواصلة التي تعرفها الأسواق المغربية، تزامنا مع الدخول المدرسي ونهاية العطلة الصيفية، باتت تثقل كاهل الأسر، خاصة الطبقة المتوسطة والشرائح الهشة.
وقال شتور في تصريحه لـ جريدة ” سفيركم” الالكترونية إن أسعار الأدوات واللوازم المدرسية ارتفعت بشكل لافت وسط “فوضى تسعيرية واضحة وغياب شبه تام للرقابة المستمرة”، مؤكدا أن الدخول المدرسي تحول إلى “محنة مالية حقيقية” تعمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها شريحة واسعة من المواطنين.
وأوضح رئيس الجمعية في تصريحه لـ منبر ” سفيركم” أن تقنين أسعار الكتب المدرسية المحلية لم يمنع من تفشي المضاربة في الأدوات المستوردة والدفاتر والمحافظ، متهما بعض الفاعلين التجاريين باستغلال حاجة الأسر لتحقيق أرباح غير مشروعة “ضاربين عرض الحائط بالقوانين المنظمة للسوق”.
وشدد شتور على أن القانون 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة “لا يعني الفوضى، ولا يبرر الاستغلال المفرط للأوضاع الاقتصادية”، مذكرا في الوقت نفسه بأن القانون 31.08 لحماية المستهلك يضمن حقوقا أساسية لا يمكن تجاهلها، في مقدمتها الحق في المعلومة، والحق في الاختيار، والشفافية والعدالة في المعاملات التجارية.
وأردف المتحدث ذاته، أن العديد من الأسر اضطرت إلى اللجوء للقروض الاستهلاكية لتغطية المصاريف المتزايدة، وهو ما من شأنه أن “يعزز الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية ويضاعف أعباء المعيش اليومي”.
وطالب شتور الحكومة بالتدخل العاجل من خلال تفعيل آليات المراقبة الصارمة للأسواق، خاصة في ما يتعلق باللوازم المدرسية، ومحاربة المضاربة والاحتكار، مع تغليظ العقوبات في حق المخالفين.
ودعا شتور إلى تخصيص برامج دعم مباشر موجهة للأسر الهشة للتخفيف من تكاليف الدخول المدرسي، إلى جانب تعزيز ثقافة الاستهلاك المسؤول والشفافية في سلاسل التوريد والتوزيع، مؤكدا على أن الجمعية ستواصل تتبع الوضع عن كتب، ورصد التجاوزات والتبليغ عنها “دفاعا عن حق المستهلك المغربي في حياة كريمة وسوق عادل ومنظم”.
دنيا بنلعم (صحفية متدربة)