كشف الباحث في الجغرافيا السياسية والاقتصاد السياسي، أيوب الرضواني، أن الاقتصاد غير المهيكل في المغرب لا يُختزل فقط في الأنشطة غير القانونية وغير النظامية، بل يتجاوز ذلك إلى ما أسماه بـ”الاقتصاد المظلم”، وأكد أن هذا الاقتصاد يُستخدم كأداة للتحكم السياسي والاجتماعي، محذرا من تداعياته المباشرة وغير المباشرة على الاقتصاد الوطني.
وكان التقرير الصادر عن المندوبية السامية للتخطيط، الذي نشر أول أمس، قد أوضح أن عدد الوحدات الإنتاجية غير المنظمة بلغ حوالي 2,03 مليون وحدة سنة 2023، مسجلا بذلك زيادة تفوق 353 ألف وحدة مقارنة بسنة 2014، مبرزا أن هذه الزيادة تركزت بشكل ملحوظ في الوسط الحضري، الذي استأثر بنسبة 77,3% من إجمالي الزيادة، وتتصدر جهة الدار البيضاء-سطات المرتبة الأولى من حيث عدد الوحدات بنسبة 22,7%.
قراءة في أرقام الاقتصاد غير المهيكل
وأوضح أيوب الرضواني، وهو مستشار في السياسات العمومية، وباحث في الجغرافيا السياسية والاقتصاد السياسي، في تصريح قدمه لموقع “سفيركم” الإلكتروني، أن البيانات والمعلومات التي كشفت عنها المندوبية السامية للتخطيط بخصوص الاقتصاد غير المهيكل، عامة وتعتمد على التعريف “القديم والسطحي” للاقتصاد غير المهيكل.
وأضاف أن القطاع غير المهيكل يعني في المغرب وجود وحدات متخصصة في الإنتاج أو التجارة أو الخدمات، في وضعية غير قانونية وغير نظامية، ولا تدفع الضرائب، مشيرا إلى أن دول أخرى تجاوزت هذا المفهوم إلى “الاقتصاد المظلم”، مشيرا إلى أن آخر تقرير صادر عن البنك الدولي، كشف أن نسبة 83٪ من الشركات المغربية تمارس أنشطتها في “الاقتصاد المظلم”.
وأردف قائلا “إن الاقتصاد المظلم يعني تمتع بعض الشركات بوضعية قانونية ونظامية أمام العلن، لكنها تعمل بالموازاة مع ذلك في نشاط غير قانوني بمختلف أشكاله سواء تعلق الأمر بالتهرب الضريبي، أو الرشوة وغيرها، وبالتالي فبيانات المندوبية السامية للتخطيط لم تقدم لنا الحجم الحقيقي للاقتصاد المظلم “Underground Economy” أو “اقتصاد تحت السلم”، غير القانوني الذي يدخل فيه حتى التهريب والجريمة”.
وانتقد الرضواني عدم الإشارة للحجم الذي يمثله الاقتصاد غير المهيكل ضمن الاقتصاد المغربي، مستشهدا بإحصائيات صندوق النقد الدولي التي أفادت بأن القطاع غير المهيكل يمثل مثلا ثلث الناتج الداخلي الإجمالي، أي حوالي 30٪، مضيفا أن ظروف كورونا أظهرت أن نسبة المشتغلين في الاقتصاد غير المهيكل قد تصل إلى 70 في المائة من الساكنة النشيطة.
الاقتصاد غير المهيكل أداة اقتصادية للتحكم السياسي
وفي سياق حديثه عن هذه الأرقام في علاقتها مع السياسات الاقتصادية والاجتماعية المتبعة في السنوات الأخيرة، ميز الرضواني بين نوعين من الإدارة، الأولى؛ تهدف إلى تحسين الوضع وإيجاد الحلول، والثانية؛ ترمي إلى المحافظة على الوضع القائم، قائلا: “فيما يخص القطاع غير المهيكل بالتعريف المغربي، فإن المسؤول المغربي إلى حد الآن يحاول فقط أن يدير القطاع ولا يقضي عليه”.
ولفت إلى أن الاقتصاد السياسي يعتبر القطاع المهيكل ليس مجرد نتيجة بل أداة اقتصادية للتحكم في السياسة، مضيفا أن “الدول والمسؤولين دائما ما يحاولون إبقاء جانب من الاقتصاد غير مهيكل، لأنه نوع من أنواع التحكم في العاملين بذلك الاقتصاد”، مؤكدا أنه “لا توجد إرادة حقيقية للقضاء على الاقتصاد غير المهيكل بمعناه المغربي أو بالتعريف الأكثر عمقا ‘الاقتصاد المظلم'”.
وذكر أن انتشار مظاهر الفساد وعدم الحد منها، يساهم في زيادة أنشطة الاقتصاد غير المهيكل، مردفا أن السياسة الاقتصادية غير محفزة على النشاط القانوني، بسبب احتكار بعض القطاعات من قبل نخبة صغيرة، وتعقيدات الشروط المطلوبة لدخول الميادين المنتجة، واصفا المجهودات المبذولة للقضاء على الاقتصاد غير المهيكل بـ”التقنية”.
تداعيات مباشرة وغير مباشرة على الاقتصاد
وذكر أن تداعيات الاقتصاد غير المهيكل المباشرة على الاقتصاد المغربي، تكمن في حرمانه من موارد مالية مهمة سواء من خلال عدم أداء الضرائب، أو وجود مبالغ مهمة خارج النظام البنكي والمصرفي، ما يجعل البنوك غير قادرة على توظيف هذه المبالغ في استثمارات من شأنها أن تحرك عجلة الاقتصاد، وهو ما يطلق عليه “Coût d’opportunités” أو “ثمن الفرصة الضائعة”.
وفي معرض حديثه عن النتائج غير المباشرة للاقتصاد غير المهيكل، قال الرضواني إن “الاقتصاد غير المهيكل هو اقتصاد الظلام، بمعنى أنه لن يقدم أبدا أي فائدة حقيقية للمجتمع، لأنه يبقى دائما اقتصادا معيشيا (مثل الباعة المتجولون، والدكاكين..)، ومضرا بالأغلبية الساحقة من الساكنة، مثل تجارة المخدرات أو تجارة السلاح وغيرها”.