لم يكن يعلم المهاجر المغربي، أحمد الطموحي، البالغ من العمر 74 سنة أنه سيجد نفسه فجأة أسير كابوس، ارتدى فيه ثوب الجاني دون أن يقترف أي ذنب، لكن ذنبه الوحيد أنه يمتلك ملامح تشبه بشكل غير عادي المغتصب الحقيقي، فسلبه حريته وها هي العدالة تقر اليوم ببراءته بعد 15 سنة قضاها حبيس السجن.
تعود تفاصيل هذه القضية، بحسب صحيفة “El Pais” الإسبانية، إلى التاسع من نونبر 1991، حين وقعت جريمة اغتصاب مروعة في بلدتي لا سيكويتا ولا بيسبال بكتالونيا في شمال شرق إسبانيا، فوصف الضحايا الجاني على أنه شاب من أصل مغاربي، ولم تمر أيام حتى وُجهت أصابع الاتهام إلى أحمد الطموحي، فقط لأن ملامحه كانت تشبه المعتدي أنطونيو كاربونيل، بعدما أشار ثلاثة ضحايا إليه في تشكيلة الشرطة.
لم يمتلك الطموحي أي سجل إجرامي، بل أثبت لاحقا أنه لم يكن حتى موجودا في مكان الجريمة تلك الليلة، حيث كان يقيم في نُزل بمدينة تيراسا البعيدة، لكن الأدلة لم تُفحص بعناية، والعدالة اختارت طريق الإدانة دون التأكد من الشك.
وفي سنة 1995، حكمت محكمة تاراغونا بسجنه لـ100 سنة، بعد اتهامه بالاغتصاب، والسرقة، والاحتجاز غير القانوني وغيرها، لكن الطموحي، الذي لم يكن يملك حتى رخصة قيادة، أدين بأنه كان يقود السيارة التي ارتُكبت بها الجرائم، والتي ظهرت لاحقا في جرائم أخرى، بعد أن كان خلف القضبان يعيش غربة مركبة بين وطن بعيد واتهام ظالم.
وكان الطموحي متهما في ثلاث قضايا مماثلة، اعتمدت كلها على “تشابه الملامح”، وعلى الرغم من أن تحليل الحمض النووي أثبت في إحدى القضايا براءته سنة 1997، إلا أنه لم يتم إعادة النظر في الإدانة الثانية والثالثة.
بداية الانفراج
اقترحت المحكمة العليا على الطموحي، الذي كان يشتغل في السابق كعامل بناء، أن يتقدم بطلب من أجل نيل العفو، لكنه رفض ذلك لأنه اعتبر أن العفو يستفيد منه فقط المذنبون لكنه بريء، وأُطلق سراحه في النهاية من السجن سنة 2006.
وفي سنة 2023، أُلغي حكم آخر، بعد أن تراجعت إحدى الضحايا عن شهادتها، مؤكدة أن التشابه بين الطموحي والمعتدي الحقيقي خدعها، مادفع الصحافة المحلية إلى إجراء تحقيقات في هذه القضية، كشفت في الأخير عن تناقضات فادحة في الإجراءات.
وفي ماي 2025، قررت المحكمة العليا، في ظل غياب أدلة مادية جديدة، أن “الشك المعقول” كاف لإلغاء الإدانة الثالثة، مستندة إلى تقارير وتحقيقات صحفية جديدة ومذكرات قانونية سلطت الضوء على ثغرات مهملة منذ سنوات.
وقال طموحي في تصريح سابق قدمه لصحيفة «الموندو» الإسبانية: “لا أحد يستطيع أن يعيد إلي السنوات الأخيرة التي عشت فيها، أو أنني لم أعش … آمل ألا يحدث ما حدث لي أبدا لأي شخص… إن ما أبقاني على قيد الحياة في السجن كانت المكالمات اليومية لابنتي في الناظور، والدعم المستمر من شقيقي عمر، ومساعدة ضابط الحرس المدني الذي أراد العدالة”.
براءة بلا تعويض
لكن المفارقة أن المحكمة الوطنية رفضت منحه التعويض الذي طلبه، البالغ 3.6 مليون يورو، بحجة أن “الخطأ القضائي” لم يثبت بشكل قاطع. وتعيد قصة الطموحي إلى الأذهان قضية عبد الرزاق منيب، وهو مهاجر مغربي كان قد أدين في نفس القضايا، وتوفي داخل السجن في سنة 2000 دون أن يسمع بكلمة “براءة”.