بقلم: عمر لبشيريت
انطلق السباق بدون انتظار صفارة الانطلاقة، وكأن الناس على عجلة من أمرها، وتناسلت التكهنات الداخلية والتنجيم الخارجي حول انتخابات المونديال. حتى أن القوم اختاروا اسم الحكومة “حكومة المونديال”، فيما جيراننا الذين سننظم معهم المونديال منشغلين بالقضايا الحقيقية. يبدو الأمر شبيها بتنافس حول من سيحظى بشرف رفع “عمارية المونديال”. أي أن الهدف في النهاية هو الفوز بشرف أخد الصور التذكارية سنة 2030، هكذا يقدم استحقاق 2026، استحقاق المونديال.
أحزاب المعارضة الرئيسية منشغلة بالتمديد لزعمائها، فيما ثلاثي الحكومة، غير معني بثقل المسار الذي سيوصلنا إلى المونديال. فضائح بالجملة، تضارب المصالح يفقع العين، مديونية ثقيلة ومتصاعدة، إنفاق بدون حدود، سخاء لا مثيل له في توزيع المنافع على أرانب السباق الذين سيصلون إلى خط النهاية لحمل مشعل قيادة حكومة المونديال.
هذا السباق تغيب عنه السياسة، ويحضر فيه السحر والتنجيم، وإلا ما معنى أن الطريق تبدو مفروشة بالورود نحو الفوز بحكومة المونديال.
في منطق الأشياء، كان من المفروض أن نكون أمام هزة سياسية، كيف لا والوقائع تخبرنا أن الحكومة أهدرت 13 مليار درهم( 1,3 مليار دولار) في برنامج لم يتحقق منه أي هدف، لكي تلجأ في الغد إلى السوق المالية الدولية لاستدانة ملياري دولار، هذه الفضيحة كافية لوحدها لإسقاط حكومة أو ثلاث وزراء على الأقل. كيف لا تكون عندنا أزمة سياسية وآخر أرقام المندوبية السامية للتخطيط تخبرنا أن 37,9٪ من شباب المغرب عاطل عن العمل، وأن البطالة وسط الخريجين وصلت إلى 19,4٪. كيف لا، ونفس المندوبية تقول لنا إن الدين العمومي الإجمالي سيصل لحوالي 83,3 في المئة من الناتج الداخلي الإجمالي خلال 2025. أي أننا نستدين لكي نصرف.
وعندما لا تستدين الحكومة، تبيع ممتلكات وأصول الدولة تحت غطاء فذلكة لغوية أطلقت عليها “التمويلات المبتكرة”، مثل ذلك المقامر الذي بعد أن يستنفذ لائحة دائنيه يقوم ببيع ملابسه وأثاث ويرهن منزله.
التدبير بالاستدانة هذا هو منهج الحكومة، هذا النوع من التدبير، لا هو بابتكار ولا إبداع ولا يتطلب خريجي البوليتكنيك. هو فقط نوع من الترقيع يلجأ إليه كل من لا حيلة له ولا سياسة له. هو تدبير غير مؤسِّس وغير منتح، لا نأكل مما ننتجه، بل ننفق من سلة الأموال التي ستدفعها الأجيال القادمة على شكل ديون متراكمة وفوائد ديون. تدبير لا علاقة له بالعبقرية ولا بالابتكار، تدبير يرهن المستقبل، مستقبل الأجيال والحكومات القادمة ..
ومع ذلك، يعيش الثلاثي الحكومي في نعيم ولامبالاة مطلقة، غير منشغل بتداعيات وبالأثر السياسي لتدبيره على الرأي العام، على الناخبين، على دافعي الضرائب. لأننا نعيش خارج الزمن السياسي، نعيش بدون سياسة، نعيش بالسحر والفذلكة.
ثم، أليس عبثيا أن لا يقلق ثلاثي الحكومة من طبيعة “النخب” التي حملها إلى المؤسسة التشريعية وباقي المؤسسات التمثيلية. لم نشهد في تاريخ المغرب هذا العدد من المنتخبين الذين إما متابعين أو صدرت في حقهم أحكام تتعلق بالفساد والرشوة والاتجار في المخدرات. ومع ذلك، لا يظهر أن هذا يقلق أحزابنا، أو أنها تهتم بتأثيره على صورتها لدى الناخبين. ببساطة لأنها تعرف أن الطريق نحو حكومة المونديال لا تحسمه السياسة، كما لا تحسمه أسماء الأحزاب وبرامجها.
وقد كانت الانتخابات الجزئية الأخيرة، بمثابة بروڤة لما ستكون عليه انتخابات المونديال. سيكون كل شيء حاضرا في الانتخابات إلا السياسة.
لن تتصارع الأحزاب ولا البرامج، سيتصارع الأعيان والتجار و”مهنيو الانتخابات”. سيتصارع النفوذ، ستتصارع القبيلة ضد القبيلة وابن العم ضد ابن الخال، كما وقع في سيدي إفني. كانت القبيلة هي التي تتنافس وهي التي تصوت إلى جانب العائلة الأصدقاء، لدرجة أن هناك من فاز ب26 صوتا، وهناك من فاز لأن لا أحد تقدم للمنافسة ضده.
يمكن أن تلبس المرشح عند بداية الحملة الانتخابية لونا، وتغيره وسط الحملة، ثم تلبسه لونا ثالثا يوم الاقتراع، ومع ذلك سيفوز. لقد وقع ذلك أكثر من مرة. لم تعد السياسة هي التي تقود إلى الفوز. ولم تعد الأحزاب هي من يختار المرشحين، المرشحون هم الذين يختارون الأحزاب، لا يعرضون برنامجهم، بل يعرضون قوتهم في الميدان وحظوظ نجاحهم..انتهت السياسة.
أصبحت الأحزاب صندوق بريد، تنتظر أن يطرق بابها مرشح فائز. لم تعد وسيلة وأداة وإطارا للعمل والتأطير والاقتراح. وعوض دور الوساطة المجتمعية أصبحت وكالة سمسرة.
ستجرى الانتخابات، لكن بمن حضر.. ولن تكون السياسة حاضرة، المؤشرات كلها تقول ذلك..إلى أن يثبت العكس، مرحبا بكم في حكومة المونديال..