في تطور بارز يعكس النفوذ المتزايد للمغرب في إفريقيا، نجحت الرباط عبر الملك محمد السادس في التوسط للإفراج عن أربعة مسؤولين فرنسيين كانوا محتجزين لدى سلطات بوركينا فاسو، وفق ما أكده بلاغ للخارجية المغربية أمس الخميس.
هذه الوساطة جاءت بعد فشل فرنسا، الدولة المستعمرة السابقة للمنطقة، في تحقيق نفس الهدف على الرغم من محاولاتها المتكررة لإقناع الحاكمين الجدد في واغادوغو بالإفراج عنهم.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وجه شكره العلني للملك محمد السادس على هذا الإنجاز، ما يؤكد الدور الحاسم الذي لعبه المغرب في حل الأزمة، ويبرز مدى تراجع النفوذ الفرنسي في القارة مقارنة بالصعود المغربي.
النجاح المغربي في هذه القضية ليس مجرد حدث عابر، بل هو دلالة على التحولات الجيوسياسية في القارة الإفريقية، إذ منذ عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي في عام 2017، حرصت الرباط على تعزيز حضورها الدبلوماسي والاقتصادي عبر اعتماد سياسة “رابح-رابح” التي تسعى لتحقيق مصالح مشتركة مع الدول الإفريقية.
السياسة المغربية هذه، التي تجمع بين التعاون الاقتصادي والاستثمارات النوعية، أفضت إلى بناء علاقات ثقة متبادلة مع دول القارة، ما مكّن المغرب من لعب دور الوسيط المؤثر في القضايا الإقليمية.
ويُعد نجاح الوساطة المغربية في بوركينا فاسو امتدادا لهذه السياسة، حيث يشير إلى تزايد وزن المملكة في إفريقيا، متجاوزة في بعض الحالات التأثير التقليدي لقوى كبرى مثل فرنسا.
المغرب اليوم لا يُنظر إليه فقط كدولة إفريقية تسعى لتأمين مصالحها، بل كقوة إقليمية مؤثرة قادرة على حل النزاعات وتقديم الحلول. ومن خلال هذا الدور، يبدو أن المملكة المغربية تستفيد من التراجع النسبي لنفوذ فرنسا في إفريقيا، وهو التراجع الذي تفاقم في السنوات الأخيرة نتيجة التوترات مع بعض الحكومات الإفريقية الجديدة.
تُبرز هذه الوساطة أيضا نجاح المغرب في توظيف أدواته الدبلوماسية بفعالية، حيث استطاع الموازنة بين علاقاته الوثيقة مع الدول الإفريقية وتعاونه مع شركائه الدوليين. وبفضل هذا النهج، بات المغرب شريكا موثوقا به، قادرا على لعب دور الوسيط في الأزمات الإقليمية.
ما جرى في بوركينا فاسو يؤكد أن الرباط تجني اليوم ثمار استراتيجيتها الإفريقية التي تجمع بين الحضور الدبلوماسي، والتعاون الاقتصادي، والاحترام المتبادل، وهي استراتيجية جعلت المغرب أحد اللاعبين الرئيسيين في صياغة مستقبل القارة.
ومع تعاظم هذا الدور، يتوقع أن يواصل المغرب تعزيز نفوذه في إفريقيا، مستفيدا من تراجعات القوى التقليدية في المنطقة، ومركزا على تكريس موقعه كجسر بين إفريقيا وباقي العالم.