شدد الدكتور محسن بنزاكور، أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة شعيب الدكالي، على خلفية الضجة التي أثارتها تصريحات وزير العدل عبد اللطيف وهبي بخصوص قانون تشريع العلاقات الرضائية، (شدد) على أنه لا يمكن التشريع لعلاقة رضائية في بعدها الجنسي بإغفال جوانب أخرى كالتربية الجنسية والبعد المجتمعي، مبرزا أن المجتمع غير مستعد لتقبل هذه الخطوة.
وأضاف بنزاكور، في حوار مع جريدة “سفيركم” الإلكترونية”، أنه “إذا كان الزواج في العقود الماضية يتم في سن مبكرة، فالآن توجد حوالي 15 أو 16 سنة ما بين سن البلوغ وسن الزواج، وهي فترة للنشاط الجنسي دون إمكانية القدرة على الزواج، وبالتالي الإشكال ليس في هذا المعطى الذي تستند إليه هذه المشاريع القوانين، بل في استبعاد تمثلات المجتمع المغربي للعلاقات الرضائية من خلال السعي إلى تشريعه”.
وتابع بنزاكور: “المجتمع المغربي لا يمتلك تربية جنسية، لأن المدرسة المغربية لا تسمح بالتربية الجنسية والمجتمع المدني لا يقوم بتلقينها، والإعلام سواء المرئي أو المسموع لا يقوم بعملية التربية الجنسية”
وهذا نص الحوار:
هل في ترى أن المجتمع المغربي مستعد لخطوة تشريع العلاقات الرضائية؟
طبعا التشريع ليس المجتمع من يقوم به، بل هم الأحزاب السياسية بعد عرض مشروع قانون من طرف الحكومة، وبالتالي السؤال الذي يطرح نفسه هنا، على مدى تعتمد هذه الهيئات سواء كانت تشريعية أو تنفيذية ؟! نتحدث هنا عن الحكومة وعن البرنامج في شق المعارضة، هل لديهم دراية كافية بالمجتمع ؟ وبالتالي ما هي الدراسات التي قاموا بها لمعرفة هل انفتح المجتمع المغربي على ما نسميه القبول بالعلاقات الرضائية بشكل قانوني ؟ لماذا بشكل قانوني ؟ لأنه في الممارسات اليومية هناك علاقات رضائية، وهناك انتشار لهذه العلاقات الرضائية، باعتبار أن سن الزواج حسب المندوبية السامية للتخطيط أصبح حسب النوع 30 سنة بالنسبة للمرأة أو 31 سنة بالنسبة للرجل، وبالتالي طول زمن ما نسميه بالممارسة الجنسية قبل الزواج تمدد بشكل كبير.
وإذا كان الزواج في العقود الماضية يتم في سن مبكرة، فالآن توجد حوالي 15 أو 16 سنة ما بين سن البلوغ وسن الزواج، وهي فترة للنشاط الجنسي دون إمكانية القدرة على الزواج، وبالتالي الإشكال ليس في هذا المعطى الذي تستند إليه هذه المشاريع القوانين، بل في استبعاد تمثلات المجتمع المغربي للعلاقات الرضائية من خلال السعي إلى تشريعها، بمعنى أن المغربي حينما يقوم بهذه العلاقات الرضائية هو يدرك في قرارة نفسه أنه في مجتمع مسلم، والدستور ينص على ذلك نحن دولة مسلمة، ويعرف بأن هذا العمل مرفوض بل ومحرم دينيا لأن الجنس لا يجب أن يمارس إلا في إطار علاقة الزواج.
إن هذا التناقض الذي يعيشه المغربي يجعله دائما يتبنى موقفين، في اعتقاده موقف متناقض مع الذات ولكن يؤمن به، وهو الموقف الذي يمارسه في الظلام وهو “العلاقات الرضائية”، والموقف الذي يجب أن يبقى مستندا للشرع ومستندا للضمير وللأخلاق المتعلق بتجريم هذه العلاقات الرضائية، وبالتالي اجتماعيا لا زال المجتمع المغربي إحصائيا يرفض خطوة تشريع العلاقات الرضائية، والدليل على ذلك ما نشاهده في التعليقات الواردة في وسائل التواصل الاجتماعي، وإن لم تكن هذه القراءة مبنية على دراسة إحصائية علمية لكنها بقراءة ولو سطحية تفيد هذا المعنى أي رفض تشريع هذه العلاقات الرضائية على الرغم من ممارستها اجتماعيا”.
هل في نظرك المجتمع يمتلك التربية الجنسية اللازمة التي تسمح بتشريع العلاقات الرضائية؟
طبعا المجتمع المغربي لا يمتلك تربية جنسية، لأن المدرسة المغربية لا تسمح بالتربية الجنسية والمجتمع المدني لا يقوم بتلقينها، والإعلام سواء المرئي أو المسموع لا يقوم بعملية التربية الجنسية، إذن تبقى هي مجهودات ليست مؤسساتية بقدر ما هي فردية، وبالتالي في غياب التربية الجنسية وفي غياب العلاقة السليمة مع الجسد، طبعا ما الذي نستطيع أن نفهمه من العلاقات الرضائية، هل هي فعلا تستحق تسمية “علاقة”؟ لأن العلاقة تسمو إلى السمو الروحي إلى ما نسميه سمو هذه العلاقة المبنية على الرضى ليس على المستوى الجنسي، لأنه لا يمكن أن يصل الإنسان إلى علاقة جنسية مباشرة، إلا من خلال الزنا، ولكن حينما نتحدث عن العلاقة بين إنسان وإنسان واعي ومتمرس بالسلوك الإنساني المبني على الاحترام، وعلى الحب، والمودة والتقدير، لا يمكن أن يكون الفعل الجنسي فقط من أجل الجنس، بل كما قلت هو ذروة العلاقة حينما يكون فيها الأمان والاطمئنان والاستقرار. آنذاك يمكن أن يصل الإنسان إلى أن يتقاسم جسده مع الذي يرغب فيه ومع محبوبه.
وبالتالي العلاقة الرضائية ليست أبدا علاقة جنسية محضة بل هي علاقة إنسانية سامية، وبالنسبة للتربية الجنسية، ليس القصد منها أبدا هو كيفية تعلم ممارسة الجنس، بل التربية الجنسية والشق الأساسي فيها هو التربية، بمعنى أن نصل بالإنسان المغربي إلى أن يدرك بأن الجنس ليس عملية الجماع، بل هي عملية تقتضي احترام الآخر والاطمئنان إلى الآخر وبناء علاقة الغاية منها هو إنتاج زيجة، يرضى فيها بهذه العلاقة ويحييها ويغنيها، وطبعا إذا عدنا إلى المجتمع المغربي، فهذه العلاقة لا ينظر إليها إلا في إطار الزواج، وأفادت الدراسات الميدانية الجريئة أن العلاقات ما دون إطار الزواج لا تقوم على أساس المعاشرة كما هو عند الغرب، بل هي علاقات جنسية محضة، وبالتالي في غياب التربية الجنسية والحسم في كيف يمكن أن ننظر إلى هذه العلاقة في إطار هذا الاحترام وهذا الإطمئنان دون النظر إليها في باب ما نسميه المؤسسة الزواج، لن تكون هناك تربية جنسية ولن تكون هناك حتى علاقات جنسية سليمة.
في المغرب يكفي أن نقوم بدراسة أو بإحصاء على مستوى الجمعيات التي تقوم بمحاربة ظاهرة السيدا أو ما نسميه بالعلاقات الجنسية غير المحمية، سوف نجد ليس فقط السيدا بل الأمراض المتنقلة جنسيا منتشرة بشكل مخيف، إذن هناك طبعا غياب التربية الجنسية وبالتالي الارتباط بين التربية الجنسية وبين مفهوم العلاقة الرضائية، طبعا هو ارتباط أكثر منه جماعا منه تربية وعلاقة رضائية.
هل مناقشة قانون العلاقات الرضائية يجب أن تقتصر فقط على ما هو قانوني، أم أن هناك جوانب أخرى يجب مراعاتها؟
طبعا لا، نحن تحدثنا عن الجانب العلائقي بالضرورة، وعن العلاقة بين كائنين وإنسانين، لهما ميولات وانتظارات ورغبات ومشاريع وتمثلات، وبالتالي هل كل هذه الأمور تنتفي في لحظة جماع ونقتصر في العلاقة الرضائية على هذا الجانب الجنسي، كما يوحي بذلك المشروع الذي يتبناه وزير العدل، طبعا الكلمة واضحة، الجانب القانوني لا يشرع لممارسة الجنس، فالقانون في أي بلد كيفما كانت طبيعته، له أبعاد أسمى بكثير من أن تكون مرتبطة فقط بما هو جنسي، بل بالحفاظ على التوازنات العامة داخل المجتمع والحفاظ على الحقوق والنسب وتحمل المسؤولية وخاصة في حالات الحمل.
ونحن في مؤسسة الزواج نبدأ بعقد ونمر بعدها إلى عقد آخر “الحالة المدنية”، ويترتب عن ذلك مسؤولية النفقة والحضانة والرضاعة والإرث وغيرها من الأمور التي تعضد هذه العلاقة، فكيف يمكن أن نشرع لعلاقة رضائية في بعدها الجنسي بإغفال هذه الجوانب التي تحدثنا عنها، فلا بد أن يكون توضيح من طرف المشرع الذي يريد أن يقترح هذا القانون، ما المقصود بالعلاقات الرضائية أو بقانون العلاقات الرضائية، هل هو عوض عن مدونة الأسرة؟ أم هو تشريع للعلاقات الجنسية؟.
تعليقات( 0 )