شهدت الجلسة العامة المخصصة لمصادقة مجلس النواب على مشروع القانون التنظيمي للإضراب، بعد قراءة ثانية، أمس الأربعاء، غياب أكثر من ثلثي أعضاء المجلس، مما أثار جدلا واسعا وسط المتابعين والمعنيين حول مصداقية التصويت بعدد محدود من النواب على قانون مصيري ومهم، أثار تقديمه للمصادقة رجة واحتقانا كبيرين في الشارع.
ويعيد هذا الغياب الكبير للنواب، حسب المراقبين، تسليط الضوء على إشكالية مدى التزام ممثلي الأمة بمهامهم الدستورية، ومسؤولياتهم في معالجة قضايا المجتمع داخل المؤسسة البرلمانية، التي تضطلع بمهمة التشريع ومراقبة أعمال الحكومة، خاصة في القضايا الحساسة والمصيرية، مثل قانون الإضراب.
وفي هذا السياق، اعتبر الأستاذ الجامعي رشيد لزرق أن التصويت، من الناحية القانونية وطبقا للدستور والنظام الداخلي للمجلس، سليم من الناحية الإجرائية، لكنه يثير تساؤلات مشروعة من الناحية السياسية والمشروعية التمثيلية، خاصة أن الغياب الكبير للنواب يطرح إشكالية مدى تمثيلية التصويت لإرادة الشعب وطموحاته، لا سيما في قانون الإضراب، الذي يكتسي أهمية بالغة في تنظيم حق دستوري يُعدّ سلاحا بيد القوى العاملة، وهو الحق في الإضراب.
وأضاف لزرق، في تصريح لـ”سفيركم”، أن غياب عدد كبير من النواب عن جلسة التصويت على قانون بهذه الأهمية يعكس خللا في الممارسة البرلمانية، ويثير تساؤلات جوهرية حول مدى التزام النواب بمسؤولياتهم التمثيلية تجاه ناخبيهم، معتبرا أيضا أن هذا الغياب مؤشر على ضعف الأداء البرلماني وتراجع جودة النقاش التشريعي حول القضايا المصيرية التي تهم المواطنين، مما يعمّق أزمة الثقة في المؤسسة البرلمانية ويضع الخيار الديمقراطي موضع تساؤل.
ولفت المتحدث إلى أن سلوك النواب في التعامل مع القضايا العامة يعكس إشكالية عميقة في النظام التمثيلي، حيث يميل أغلب أعضاء المجلس إلى التركيز على القضايا التي تحمل مردودا انتخابيا مباشرا، متجاهلين بذلك العديد من القضايا الوطنية المهمة التي قد لا تحظى باهتمام ناخبيهم المباشر.
وختم لزرق بالقول إن هذا التوجه يؤدي إلى خلل في الأداء التشريعي والرقابي للمجلس، حيث يصبح العمل النيابي محكوما بحسابات المصلحة الانتخابية الضيقة على حساب المصلحة العامة، مما يضعف دور المجلس في معالجة التحديات الوطنية الشاملة ويؤثر سلبا على جودة التشريعات وفعالية الرقابة البرلمانية.
من جانبه، يرى محمد المعروفي، دكتور في القانون الدستوري والعلوم السياسية، أن غياب هذا العدد الكبير من النواب عن جلسة التصويت قد يكون “رد فعل غير مباشر ضد محتوى القانون، خاصة إذا كان هناك عدم رضا عن تفاصيله أو مضمونه”، وفي هذه الحالة، يمكن أن يُفهم الغياب على أنه اعتراض ضمني على القانون نفسه.
وأضاف الخبير في السياسات العامة أن هذا السلوك قد يكون “موقفا جماعيا رافضا للطريقة التي تم بها إعداد المشروع أو لبعض بنوده التي قد تؤثر سلبا على حقوق العمال وحرية الإضراب، حتى وإن كان أغلب المتغيبين ينتمون للأغلبية البرلمانية، التي تفرض عليهم التزاما حزبيا بالتصويت لصالح المشروع”.
وفيما يتعلق بظاهرة غياب ممثلي الأمة عن جلسات البرلمان، خصوصا عند مناقشة القضايا المصيرية كما حدث أمس، أوضح المعروفي أن النظام الداخلي للمجلس يتضمن عقوبات متعددة، تبدأ من التنبيه وتلاوة أسماء المتغيبين، وصولا إلى الاقتطاع من التعويضات، غير أن رئاسة المجلس، حتى الآن، تكتفي فقط بتلاوة أسماء المتغيبين في بداية الجلسات العامة.