أكد عبد الإله دحمان، نائب الأمين العام للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، أن “الخطورة الحقيقية لمشروع قانون الإضراب لا تكمن فقط في مضامينه، بل تتجلى أساسا في السياق الذي يأتي فيه، والذي يعكس واقعا اجتماعيا وسياسيًا مضطربا، ينذر بمزيد من التراجع عن المكتسبات الديمقراطية والحقوقية”.
وأوضح دحمان، خلال كلمة له خلال ندوة نظمتها جبهة الدفاع عن الحق في ممارسة الإضراب، أن المشروع “يتزامن مع أزمات متراكمة، أبرزها انهيار القدرة الشرائية للمواطنين، ومحاولات إضعاف التنظيمات السياسية والنقابية التي ظلت طيلة عقود حامية للحقوق ومعبّرة عن هموم الشغيلة”.
كما أشار إلى أن هذا السياق الاجتماعي يتميز بارتفاع منسوب الاحتقان بسبب تفكيك القطاعات الحيوية كالتعليم والصحة، وتوجيهها نحو مسارات تخدم أجندات الوكالات المالية الدولية على حساب المصلحة الوطنية”.
واعتبر دحمان أن “سياق الاحتقان الاجتماعي الذي يطغى على المرحلة الحالية، هو أخطر من أي إجراء أو بند وارد في ديباجة هذا النص التشريعي”.
وأكد أن هناك محاولات مكشوفة للالتفاف على روح الدستور، وتهميش النقاشات الديمقراطية، مما يفتح الباب أمام تعزيز ثقافة التحكم، التي وصفها بـ”الآلية المستمرة لتفكيك الحريات العامة وتقويض المقاومة المجتمعية”.
وأشار إلى أمثلة على ذلك، مثل القوانين التنظيمية المتعلقة بالمجلس الوطني للصحافة، والعرائض، التي يرى أنها تهدف إلى الالتفاف على حقوق المجتمع المدني، ناهيك عن المراسيم والقوانين السابقة التي استهدفت العمل النقابي منذ عقود، والتي لا تزال آثارها السلبية قائمة.
وانتقد دحمان غياب المنهجية التشاركية في صياغة المشروع، معتبرا ذلك خرقا واضحا للالتزامات الدستورية والاتفاقيات الدولية التي وقع عليها المغرب، خاصة تلك المتعلقة بالحرية النقابية، مثل اتفاقيات منظمة العمل الدولية (87، 98، و151).
وشدد على أن تجاهل هذه المرجعيات الحقوقية في إعداد قانون الإضراب يؤكد أن الهدف من المشروع هو تكريس منطق الترخيص بدلًا من التصريح، مما يفرغ الإضراب من جوهره الحقوقي كوسيلة مشروعة للدفاع عن مصالح الشغيلة.
وفي سياق متصل، أبدى دحمان قلقه من أن هذا المشروع يعيد إنتاج منطق السيطرة والتحكم الذي طالما اشتكت منه النقابات الوطنية، مشيرا إلى أن “التعريفات الواردة في النص تعكس قصورا خطيرا حيث تفتح الباب أمام تضييق واسع على ممارسة الإضراب، وتجعل منه أداة مقيدة بدل أن يكون حقا مشروعا يكفله الدستور”.
وختم دحمان تصريحاته بالدعوة إلى مراجعة جذرية لمشروع قانون الإضراب، مع ضرورة إلغاء المراسيم والقوانين القديمة التي تعرقل العمل النقابي، وتصحيح المشهد النقابي عبر تبني قوانين تحترم المكتسبات الديمقراطية وتضمن العدالة بين القطاعات العامة والخاصة.
وشدد على أن “أي قانون للإضراب يجب أن يستند إلى مقاربة شاملة، تحترم الحقوق الأساسية، وتعزز الديمقراطية بدلا من أن تفرغها من مضمونها”.