رحل الشيخ عبد العزيز الكرعاني تاركا خلفه أثرا لا يُمحى في الذاكرة المغربية، حيث لم يكن مجرد صوت جميل، بل سيرة ممتدة من درب الفقراء إلى محراب المساجد، ومن أروقة الكتاتيب إلى أفئدة المصلين، حيث أصبح من أهم الأصوات التي ارتبط بها المغاربة في ليالي رمضان، وأحد الوجوه التي طبعت المشهد الديني بتواضعها وأخلاقها.
وترجل الشيخ عبد العزيز الكرعاني، صباح اليوم السبت 31 ماي الجاري، عن صهوة الحياة بعد معاناة طويلة مع المرض، داخل إحدى المصحات الخاصة بمنطقة بوسكورة، الواقعة في ضواحي مدينة الدار البيضاء.
وتناقلت مجموعة من الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، مقاطع فيديو مسجلة ومباشرة تظهر حشودا من محبي الشيخ عبد العزيز الكرعاني، الذين حضروا خصيصا لمراسيم تشييع جثمانه بمقبرة سيدي مسعود.
وعقب الإعلان عن وفاته، تداول عدد من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلات قديمة للشيخ وهو يرتل القرآن، وأعادوا نشر صوره في محراب المسجد، بينما فضل آخرون نشر تعليقات تُعبر عن حزنهم أو تسترجع مواقفهم الشخصية مع الشيخ الراحل، مشيدين بتواضعه وخصاله الحميدة.
وأعادت وفاة الكرعاني إلى الواجهة اسما لطالما ظل حاضرا في الذاكرة المغربية، سواء من خلال تجربته في الإمامة أو عبر مشاركته في تأطير عدد من الفعاليات الدينية والتربوية على مدى سنوات.
وبالعودة إلى مساره، ولد الراحل ونشأ في حي درب الفقراء بالدار البيضاء، وهناك بدأ حفظ القرآن الكريم وهو لم يتجاوز الخامسة من عمره، داخل “كتاب” يشرف عليه خاله. وكانت تلك تجربته الأولى في عالم الحفظ، بالاعتماد على الطريقة التقليدية التي زاوجت بين الكتابة على اللوح، والاستظهار أمام الفقيه، والتكرار، وهي أساليب ما يزال معمولا بها إلى الآن في عدد من الكتاتيب المغربية.
ورغم انقطاعه المؤقت عن الحفظ بسبب التزامات الدراسة النظامية، إلا أن ما حفظه ظل راسخا في ذاكرته، وهو ما ساعده لاحقا على استكمال ما بدأه في الطفولة، بعد تحول كبير في مساره الشخصي.
وفي سنوات شبابه، اختار الكرعاني التخصص في الأدب الإسباني، وخاض تجربة قصيرة في الغناء، قبل أن يختار التراجع عن هذا المسار، فأعاد ترتيب أولوياته وتفرغ لحفظ القرآن الكريم والاستماع إلى تلاوات مشاهير القراء العرب.
أما بالنسبة لمساره المهني، فقد اشتغل مترجما في قطاع الأدوية، ثم انتقل إلى مجال التجارة الحرة، قبل أن يستقر في التعليم الخاص منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي، حيث شغل مهام تربوية داخل مؤسسة تعليمية بمدينة الدار البيضاء.
وبدأ الكرعاني مسيرته في الإمامة بمسجد التوبة، ثم انتقل إلى مسجد التيسير في حي سيدي معروف، ليؤمّ لاحقا المصلين في مساجد أخرى من بينها مسجد الطولو، ومسجد السلام، قبل أن يستقر بشكل دائم في مسجد القاضي عياض، حيث ظل إمامه الرسمي لعدة سنوات.
واشتهر الشيخ الراحل بصوته الجميل ومخارج حروفه الواضحة وأسلوبه الهادئ في تجويد القرآن الكريم، خصوصا خلال شهر رمضان، الذي كان يمثل ذروة نشاطه الديني من خلال صلاة التراويح، التي كان يقبل عليها عدد من المصلين للصلاة والاستمتاع بصوته وتلاوته.