تتبنى الدبلوماسية المغربية، وفق ما يشير إليه العديد من الخبراء، مبدأ التعاون واحترام المعاهدات والقوانين الدولية المصادق عليها وهو ما يمكن استقراؤه من خلال الديبلوماسية الرسمية سواء في الخطب الملكية أو مداخلات البعثة المغربية الدائمة لدى الأمم المتحدة، وقد أعلن الخطاب الرسمي المغربي صراحة بأن “ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات”. (مقتطف من خطاب الملك 20 غشت 2022).
وفي ذات السياق، قالت الدكتورة فاطمة أمراح، الباحثة في القانون العام والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، ” لابد من الوقوف في هذا اليوم والمغرب يخلد الذكرى 71 لثورة الملك والشعب، على ما حققته بلادنا من انتصارات على الصعيد الإقليمي والقاري والدولي، بخصوص ملف الصحراء المغربية. والتي اعتمد فيها المغرب توجها متكاملا ينبني على نهج استراتيجية سياسية واقتصادية واجتماعية في احترام تام لمقتضيات القانون الدولي. والتي لعبت فيها الاستراتيجية السياسية الركيزة الأساسية لإنهاء قضية الصحراء لصالح المملكة المغربية”.
وأوضحت المتحدثة وفق تصريح لموقع “سفيركم” بأن “من أهم المحطات في الاستراتيجية السياسية التي اتخذها المغرب لإنهاء النزاع المفتعل حول قضية الصحراء المغربية، أولا، طرح قضية الحكم الذاتي على طاولة الأمم المتحدة، ثانيا، السعي نحو انتزاع الدعم الدولي والاعتراف الرسمي بالحكم الذاتي للأقاليم الصحراوية تحت السيادة المغربية، وثالثا، تكريس الاعتراف الدولي بفتح قنصليات بالأقاليم الجنوبية”.
وتابعت الخبيرة في الشؤون الأمنية والإفريقية قائلة “إن عرض المغرب “مبادرة الحكم الذاتي لجهة الصحراء تحت السيادة المغربية” في 11 أبريل 2007، استجابة لدعوات مجلس الأمن الدولي، الذي يتولى النظر في قضية هذا النزاع، بغرض التوصل إلى “حل سياسي نهائي” له. وقد رحبت العديد من قراراته مجلس الأمن الدولي بهذه المبادرة، واصفة إياها بالمجهود الجاد وذي المصداقية من جانب المغرب، من أجل المضي قدما نحو إيجاد حل لقضية الصحراء”.
وأشارت الخبيرة إلى أن “مبادرة الحكم الذاتي تنطوي على منح سكان الأقاليم الجنوبية حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية. ويضمن حقوق سكان الأقاليم الصحراوية بجنوب المملكة في إدارة شؤونهم بأنفسهم بشكل ديمقراطي، وذلك من خلال نقل جزء من اختصاصات الدولة للجهة في إطار الجهوية الموسعة، بينما تحتفظ الرباط باختصاصاتها المركزية في ميادين السيادة”.
وفي ظل تزايد الدعم الدولي والاعتراف بمغربية الصحراء، أوردت المتحدثة ذاتها أن “مبادرة الحكم الذاتي الذي يعتبره المغرب حلا سياسيا للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، أضحى له اليوم صدى إيجابيا داخل المجتمع الدولي، والذي يراه الحل الأنسب والأمثل لإنهاء النزاع وطي ملف قضية الصحراء بصفة نهائية”.
وأضافت المتحدثة ذاتها “وقد شكل الاعتراف الأمريكي محطة محورية في تقوية الطرح المغربي حول الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية تحت السيادة الوطنية المغربية، وكان مؤشرا على بداية “مرحلة جديدة” نحو إنهاء النزاع المفتعل الذي دام طويلا. وكما وصرح السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة السيد عمر هلال، بأن مقترح الحكم الذاتي تؤيده أكثر من مائة دولة ومنظمة في العالم. وتزايد عدد المؤيدين للطرح المغربي خاصة من القارة الافريقية وبشكل كبير بعد عودة المغرب للاتحاد الافريقي، يقابله مواقف سحب الاعترافات بجبهة البوليساريو الانفصالية. بالإضافة إلى أنه يذكر في 6 غشت 2024، عبرت فنلندا على أنها أخذت موقف مجلس الأمن الذي يعتبر مبادرة الحكم الذاتي مقترح ذو مصداقية وجدية وصالح لتسوية النزاع بطريقة سياسية، وهو تعبير عن تزايد الدعم الدولي للمقترح المغربي”.
وشددت الخبيرة الأمنية والاستراتيجية ذاتها في تصريحها على أنه “لا بد من التأكيد أن اعتراف اسبانيا في مارس 2022 وبعدها فرنسا في 30 يوليوز المنصرم المتزامن مع ذكرى عيد العرش وما يكتسيه من رمزية، يمكن اعتباره خطوة حاسمة لإنهاء ملف الصحراء لصالح المغرب. وتفاعلا مع مستجدات ملف الصحراء، وفي أخر منشورات تحليلية ل “معهد السلام” (المؤسس من لدن الكونغرس الأمريكي والتابع له)، عنونَه ب “قضية الصحراء قد انتهت وتم حسمُها لصالح المغرب” يُظهر قوة الدبلوماسية المغربية الناعمة، وتمكنها من كسب تأييد كبير والانتصار على خصوم الوحدة الترابية”.
وفي ظل ارتفاع عدد القنصليات في الأقاليم الصحراوية المغربية، أوضحت أمراح أن “ المغرب أضى على أحقيته بالصحراء طابع الواقعية الدبلوماسية، من خلال تعزيز تحالفاته للدفاع عن مصالحه الاستراتيجية السياسية بفتح قنصليات لها بالأقاليم الجنوبية. والتي بدأت بفتح قنصلية جزر القمر في مدينة العيون سنة 2019، وفتح قنصلية تشاد في الأيام المنصرمة بمدينة الداخلة، ليصل عدد القنصليات لحدود الساعة 30 قنصلية”.
وتابعت بأن “اعتماد المغرب ‘دبلوماسية القنصليات’ المتمثلة في توالي فتح قنصليات العديد من الدول الافريقية والعربية، لها دلالات سياسية وقانونية. إذ يجسد افتتاح القنصليات على المستوى السياسي دعما للوحدة الترابية للمملكة، واعترافها الواضح والصريح بمغربية الصحراء، وتعبيرا عن الثقة في الأمن والاستقرار الذي تنعم به الاقاليم الجنوبية. أما بخصوص الدلالات قانونية فهو الإقرار بسيادة المغرب التاريخية والثقافية والدينية والحضارية على الأقاليم الصحراوية، بحسب القانون الدولي، خاصة اتفاقية جنيف لعام 1963، علما أن سيادة المغرب واقعيا وقانونيا وإداريا على الصحراء لا تقبل الجدل”.
ختمت الدكتورة فاطمة أمراح تصريحها لموقع “سفيركم” قائلة: “ما استثمرته الدبلوماسية المغربية منذ افتعال النزاع إلى اليوم، يثبت للعالم بأن ملف الصحراء المغربية هي القضية الوطنية الأولى التي يسعى المغرب لتسويتها سياسيا تحت مظلة الأمم المتحدة، وقد نجحت الدبلوماسية المغربية بالفعل في إقناع عدد من الدول بمبادرة الحكم الذاتي وانتزاع الاعتراف بسيادة المملكة على الأقاليم الصحراوية. وهو ما لم يأت من فراغ، بل بما فرضته المملكة من استقرار في المنطقة من جهة، وما أنجزته على أرض الواقع لتنمية الأقاليم الجنوبية من جهة ثانية، إذ لم يتوقف المغرب ومنذ الاستقلال إلى اليوم على الاستثمار في هذه الجهة من المملكة المغربية”.
ياسين حكان (كاتب وباحث)
تعليقات( 0 )