أثارت الحكومة المغربية جدلاً واسعاً بقرارها منع منظمات المجتمع المدني من رفع دعاوى قانونية في قضايا تتعلق بسوء استخدام الأموال والممتلكات العامة، إلا إذا طُلب ذلك من طرف النيابة العامة.
هذا القرار، الذي تمت الموافقة عليه في أواخر غشت من قبل المجلس الحكومي كجزء من مشروع القانون 03.23 لتعديل قانون المسطرة الجنائية، قوبل بانتقادات من المنظمات غير الحكومية التي تعتبره تقويضاً لدورها الحاسم في مكافحة الفساد.
ووفقاً لمقال نشرته مؤسسة “كارنيجي” للسلام الدولي في 31 أكتوبر، فإن مشروع التعديل، الذي ينتظر موافقة البرلمان، “أشعل جدلاً سياسياً كبيراً”.
وتشير المؤسسة الدولية إلى أنه قبل مشروع القانون 03.23، كانت المنظمات غير الحكومية المناهضة للفساد في المغرب “تمتلك الصلاحية لرفع دعاوى قانونية ضد موظفي الدولة والمسؤولين المنتخبين المشتبه بتورطهم في الاختلاس أو الفساد”.
ويستشهد مقال “كارنيجي” بنجاحات بارزة مثل توقيف الوزير السابق محمد مبديع بتهمة “انتهاكات جسيمة لقانون الصفقات العمومية” بعد تقديم شكوى من الجمعية المغربية لحماية المال العام.
ودافع وزير العدل عبد اللطيف وهبي عن قرار الحكومة، معتبراً أن تعدد الجهات المعنية “يؤدي إلى تمييع الشكاوى” ويسمح لبعض الجمعيات باستخدام سلطتها لأغراض “الابتزاز وتصفية الحسابات السياسية”.
وترفض المنظمات غير الحكومية هذه الاتهامات، مؤكدين على أن أي تجاوزات يجب أن تُعالج عبر القنوات القانونية المناسبة، مشددين على أهمية “مجتمع مدني قوي ومنظم” في محاربة الفساد، وفقاً لـ”كارنيجي”.
وأبرزت ذات المؤسسة، إلى أن ردود الأفعال تجاه مشروع القانون 03.23، متباينة، حيث يرى البعض أنه يعزز دور الهيئات الرسمية في مراقبة إساءة استخدام الأموال العامة، بينما يخشى آخرون من المساس باستقلالية المؤسسات فيما يتعلق بملاحقة المسؤولين المرتبطين بالسلطة الحاكمة.
ويعتبر منتقدو القانون أن اقتصار المتابعة القضائية على هذه الهيئات دون إشراك المنظمات غير الحكومية “يخاطر بتهميش الدور الحيوي لهذه المجموعات في مراقبة وكشف الفساد”، مما يجبرها على الاكتفاء بإدانة الممارسات غير القانونية دون اللجوء إلى القضاء، “وهي نكسة كبيرة لدور المجتمع المدني.”
وتؤكد المنظمات غير الحكومية الواردة في المقال أن مشروع القانون ينتهك أحكام دستور 2011 بشأن دور المجتمع المدني في الديمقراطية التشاركية وصنع القرار، ويتهمون الحكومة بحجب المعلومات اللازمة لمتابعة الجرائم المالية، مما يجبرهم على “تصعيد وتيرة وشدة احتجاجاتهم في الشوارع”.
وفي المقابل، تصر الحكومة على أن مشروع القانون جزء من إصلاحات قضائية أوسع لكبح الجرائم المالية مع منع استغلال القضايا من طرف المنظمات غير الحكومية؛ ومع ذلك، تشير المقال إلى أن أحزاب المعارضة “رفضته بشكل قاطع” باعتباره أداة للحد من حقوق المجتمع المدني.
ومع الأغلبية البرلمانية للتحالف الحكومي، تتوقع المؤسسة أن مشروع القانون المثير للجدل “من المرجح أن يتم تمريره إلى قانون” رغم “النقاشات المحتدمة المتوقعة”.
وكما يبرز تعليق مؤسسة كارنيجي، فإن خطوة المغرب للحد من دور المجتمع المدني القانوني في قضايا مكافحة الفساد أشعلت جدلاً وطنياً حاداً. ويخشى النقاد أن يكون ذلك انتكاسة كبيرة لجهود الشفافية والمساءلة، بينما تصر الحكومة على أنها إصلاح ضروري.
تعليقات( 0 )