بقلم: عبد الدين حمروش*
مرّ بي مقال منشور بإحدى الصفحات الجزائرية. الموضوع رياضي: في كرة القدم تحديدا. وللإشارة، فالمقال يتضمن خبر مقابلة ودية بين منتخبي إيران والكاميرون. هكذا، أُسقط الصاروخ، أو بالأحرى الطائرة: إيران ستنتقم من الكاميرون، لصالح الجزائر التي خسرت مباراتها الحاسمة أمام المنتخب الأفريقي، خلال تصفيات كأس العالم 2022. لم ينس الجزائريون تلك المباراة المصيرية أبدا. فكيف لا يستدعونها والحرب قائمة، بين الحليف السياسي الاستراتيجي والمنافس الكروي اللدود؟
خارج إطار كرة القدم، لم تخلُ تدوينات، ولا فيديوهات تحليلية، تتناول مصير الحرب بين إسرائيل وإيران. الحرب ملتهبة بالطائرات والصواريخ في الشرق الأوسط، بينما هي “ناشطة” بالسجال الكلامي في شمال أفريقيا. من يربح الحرب القائمة، هناك، اليوم؟ وفي حال كسرت إيران شوكة إسرائيل، على خلفية عدوانها السافر على أراضيها، فهل يكون لذلك صدى، ولو على الصعيد المعنوي، برفع منسوبه لدى جنرالات الجزائر؟ ثم هل للمغرب أن يُعنى بالحرب الطاحنة بين الفرس والصهاينة، أقصد ما قد يترتّب عنها من نتائج، على صعيد وضعه الاستراتيجي في الإقليم المغاربي، وبما له علاقة بقضية “الصحراء المغربية” بخاصة؟
من شأننا أن ننسى الموقف الجزائري الآن، على أساس أن نركز على الموقف المغربي. بعجالة، يمكن توزيع مواقف المغاربة، المرصودة على صفحات التواصل الاجتماعي، من الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران، إلى ثلاثة:
– موقف الفئة المنتصرة للطرف الإيراني، ممثلة في الأغلبية الساحقة من المغاربة. تاريخ الصراع العربي- الإسرائيلي، وما واكبه من مآس راح ضحيتها الفلسطينيون والعرب، جعل المغاربة يصطفون ضد إسرائيل منذ البداية. وليس بغريب أن يبلغ الحقد على الصهاينة مداه، في ظل حرب الإبادة الجماعية المسلطة على فلسطيني غزة حتى الساعة؛
– موقف الأقلية الداعمة لإسرائيل، ممثلة في بعض “المغاربة المتصهينين”، الذين يثيرون كثيرا من الصخب الإعلامي، عبر بلاغاتهم وبياناتهم، على الرغم من عددهم جد المحدود. وإن كانوا لا يحتاجون إلى مبررات في دفاعهم عن إسرائيل، إلا أن الغرابة تأتي من ارتفاع صوتهم، ضد كل من ” سوّلت له نفسُه” الإقدام على النيل من حكّام تل أبيب؛
– موقف الفئة المعارضة لإيران وإسرائيل على حد سواء. بالنسبة إلى إيران، ليس هناك أية صعوبة لمن يريد سحب مجموعة من التهم الموجهة إليها، من داخل القمطر: إيران الفارسية (الشعوبية)، الشيعية (الإثنا عشرية)، المناكفة للوحدة الترابية للمغرب، إلخ. أما بالنسبة إلى إسرائيل، فالموقف الراسخ هو الرفض والإدانة لوجودها وسياساتها، وإن حدث تحول ملموس لدى فئة من الرأي العام، مجسدا في الدعوة إلى اتخاذ البراغماتية منهجا، للدفاع عن مصالح المغرب، بغض النظر عن أية روابط أو قيم.
يبدو أن الموقف الأخير هو الذي بات يطرح السؤال. حين يصطدم أصحاب الموقف الأخير بالاتهامات المصوبة نحو إيران، وبخاصة ما تعلق بدعوى مناكفتها لوحدة المغاربة الترابية، في ظل استعادة التاريخ الطائفي بين السنة والشيعة، فإن التسوية بين الطرفين المتحاربين (إسرائيل- إيران)، اليوم، تصير ممكنة: إيران “بْحال” إسرائيل في النهاية. هكذا، بطلقة واحدة حاسمة على الجميع!!!
إذا عدنا إلى الموقف المغربي، في قضية الحرب هاته، أو في قضايا أخرى قريبة، فسنجد جنوح المغرب الرسمي إلى “التريّث” هو الغالب، باستثناء مفاصل تاريخية ساخنة محددة:
– بعد نجاح الثورة الإسلامية، التي قادها الخميني، والتي انتهت بشاه إيران، محمد رضا بهلوي، لاجئا في المغرب، لفترة معينة؛
– بعد إبداء الراحل الحسن الثاني موقفه الإيجابي من دعم العراق ضد إيران، خلال القمة العربية المنعقدة بفاس، سنة 1982، تفعيلا لمعاهدة الدفاع العربي المشترك.
بصفة عامة، كان السّجال المغربي- الإيراني عائدا إلى ملفات بعينها: نشر التشيُّع بالمغرب، التضامن مع الدول العربية ضد إيران التوسعية، ثورة وترابا (مع البحرين التي اعتبرها مسؤولون إيرانيون المحافظة رقم 14 مثلا)، تسليح البوليساريو (الذي ظلت تنفيه طهران). هذه، هي الملفات الكبرى التي كانت تحول دون استقرار العلاقة المغربية- الإيرانية. ولا ننسَ قرب المغرب من الخليج، التي لإيران نزاعات وخصومات مع دوله، إضافة إلى الحضور الأمريكي القوي في الموضوع، كان يجنح بالمغرب نحو النأي بنفسه عن النظام الإيراني.
غير أن هذه العلاقة، المشوبة بسوء الفهم والحذر، لم تكن لتتسيّد العلاقة على الدوام. ذلك أنها شهدت انفتاحا، بعد سحب إيران اعترافها باستقلال ما يسمى “الصحراء الغربية” سنة 1991. كما بموازاة ذلك، شهدت العلاقة المغربية- الإيرانية انفتاحا آخر، خلال عهدي الرئيسين محمد خاتمي وأحمدي نجاد. وإلى اليوم، ليس هناك خبر بتغيُّر الموقف الإيراني من قضية الصحراء المغربية، بحكم ثباتها على الدعوة إلى تسوية الملف أمميا، عبر قرارات الأمم المتحدة.
لقد انخرط المغرب في الاتفاق الثلاثي، ضمن ما سمي، في حينه، “اتفاقيات أبراهام”. على الرغم مما قد يقال، فإن المستهدف بالاتفاق كان هو الولايات المتحدة الأمريكية، على أساس وجود مفتاح تسوية ملف الصحراء بين يديْها. ولذلك، يمكن لكثيرين تفهُّم بقاء المغرب ثابتا على موقفه الديبلوماسي من القضية الفلسطينية، ولكن من دون أن يبلغ حد الاصطدام مع الطرفين الآخريْن من الاتفاق الثلاثي؟ هل كانت إسرائيل مرتاحة لمتانة العلاقة مع المغرب؟ إذاً، لماذا كان يخرج نتانياهو مُشهرا خريطته، حيث المغرب مفصول عن صحرائه؟ المغرب ليس في وضع جيّد. الولايات المتحدة الأمريكية لم تنشىء قنصليتها بالداخلة بعد. كما أن تصريحاتها تغدو ملتبسة بين الفينة والأخرى. ومع ذلك، فالاعترافات تتالى، ومعها الانفصال يتراجع.
في هكذا سياق، يُفهم الموقف المغربي، في ظل الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران. ولو بصعوبة! ليس هناك من داع إلى أن تخرق طهران موقفها المعلن من الصحراء، فتعود للانحياز إلى الأطروحة الانفصالية. المغرب يتابع السلوك الإيراني بحذر شديد. هل يمكن الخروج بهاته الخلاصة: المغرب ليس صديقا وثيقا لإيران، كما أنه ليس عدوا لها.. ومع ذلك، فالموقف الإيراني يخدم المغرب أكثر مما يخدم الجزائر. هذا هو الستاتيكو القائم منذ سنوات، في انتظار لحظة مواتية لترسيم الشراكة الاستراتيجية، بين دولتيْ “إمارة المؤمنين” و”ولاية الفقيه”.
*كاتب مغربي