يتذكر المتتبعون والفاعلون المدنيون والممارسون السياسيون كيف انتعش العمل المدني في العالم العربي خلال العشرية الأولى من الألفية الثانية(2000-2010)،وكيف انتعش تمويل برامج التأطير المدني في مجال التربية على حقوق الانسان والمواطنة والديمقراطية،وكيف امتد هذا السخاء ليطول الحركات والمنظمات والأحزاب ذات التوجه الإسلامي.هكذا تحول التكوين(التدريب) من التربية على حقوق الانسان والديمقراطية والمواطنة إلى تكوين يرسخ تصورات مخصوصة تركز على علاقة الإسلام بالديمقراطية من منظور مدني، وترافع على انسجامهما وعدم تناقضهما. ..ورغم أن كتابات كثيرة خاضت في الموضوع سابقا إلا أن المقاربة التي اعتمدت خلال هذه الفترة كانت تركز على مجال التكوين (التدريب) في صيغة مؤتمرات ومناظرات وورشات تطبيقية زادت من منسوب التبني وقدرات الترافع على أن الإسلام لا يتناقض في شيء مع مبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية والمواطنة.
كان الأفق الظاهر إيجابيا؛ لأنه يبحث في صلة الإسلام بمبادئ حقوق الانسان والديمقراطية والمواطنة، وتليين مواقف من يتبنى المرجعية الاسلامية،وتضييق مجال الحركة أمام المتطرف منها .فبدا أن عصرا ذهبيا قادم أمام من تبنوا المرجعية الاسلامية من باب الاعتدال والإيمان بثقافة المؤسسات.
هكذا انتعش خطاب إسلامي معتدل يدافع عن الديمقراطية باسمها المباشر لا بمرادفاتها التي تبنتها اتجاهات إسلامية أخرى مثل الشورى أوالشورقراطية أو غيرهما .لذلك عندما تحرك الشارع العربي أو تم تحريكه في إطار ما سمي (الربيع العربي)سيجد جزءا من ذوي المرجعية الاسلامية مهيئين لاستثمار نتائجه وتأطيره والدخول في مناوراته التي أفضت إلى وصولهم إلى المؤسسات، بل وقيادتهم لدول معينة مثل تونس ومصر،أو الاستفادة من الدينامية التغييرية التي خلقها الشارع كي تترأس هيآتهم الحكومة مثلما حدث في المغرب…لكن هذا الذي حدث في بلدان معينة بصورة إيجابية كان يوازيه ويزامنه مشهد آخر يقع على النقيض منه.تمثل الأمر في الحركات الدموية التي،كانت تنطلق من المرجعية نفسها ؛و تتكلم باسم الإسلام، وتؤمن بأن التغيير يتم بالدم والمواجهة المسلحة، فكانت مآسي ليبيا والعراق وسوريا، وبرزت الداعشية ومشتقاتها التي تدعو إلى إحياء نمط في الحكم اعتبر البرزخ الذي يصلح ما أفسدته أنظمة وصفت بالجبرية والتسلطية، وكل المرادفات التي تسوغ العنف وتعلله وتشرع له.
أصبح المشهد متناقضا لأصحاب المرجعية الواحدة؛ الدمويون والديمقراطيون. وسيعاني أولئك الذين اقتنعوا بقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان والمؤسسات من متلازمة الشك في ولائهم للديمقراطية وقيم المواطنة وتشبعهم بثقافة حقوق الإنسان، واتهامهم المستدام بالتقية المقيتة التي يخفون من ورائها رغبتهم في الهيمنة واستغلال الديمقراطية لا الإيمان بها،وهو ما سيجعلهم في موقف المتهم الذي عليه أن يؤكد براءته بشكل مستمر ، وكلما اقترب من تأكيدها خرج له عنوان جديد يعيده إلى نقطة البداية.
ورغم وجاهة التوصيف الذي قدمناه في الفقرات السابقة، والذي تأسس انطلاقا من الرصد والحضور الفعلي في محطات كثيرة منه،فإن افتراضنا الأساس يقوم على القول:
لقد تم جر حركات الإسلام الإسلام السياسي إلى القيام بمهام لم تكن مهيأة لها، وقبل أن تستكمل مقومات قوتها ونضجها؛ بمعنى أن الجهات التي خططت (للربيع العربي) كان هدفها الأساس قطع الطريق أمام هذه لاتجاهات التي كانت بصدد اكتساح المجتمعات و ترسيخ أفكارها؛ مما كان سيجعل مهمة مواجهتها مستقبلا مستحيلا،لذلك بدا أن الحل الأمثل والأقل كلفة هو إسقاط الفاكهة قبل نضجها التام، وهو ما قام به (الربيع العربي) باعتباره نقطة الجذب كما يقول الفزيائيون، لكنه جذب يماثل الأدوار التي يقوم بها الثقب الأسود الذي يحطم كل ما يلجه. فتحول زمنها الذي اعتقدته ربيعا الى خريف قاهر،لأنها تسلمت السلطة أو جزءا منها دون أن تمتلك ما تحتاجه من خبرات وكفايات لممارساتها، فسقطت بصور مختلفة ومتعددة، وتم إبطال مفعولها آنيا.
تعليقات( 0 )