لطالما تعاقبت على أرض المغرب، هزات أرضية شديدة، أسقطت أرواحا، وبترت تاريخا، وهدمت منازلا كانت الملاذ الآمن لمالكيها، وأذاقتهم مرارة الفقد وقسوة الفراق، ومسحت قرى عن آخرها، لكنها أماطت اللثام، عن قيم “تمغربيت” الأصيلة، والمعدن الثمين للمغاربة، الذين انتصروا لقيم الإنسانية، رافعين شعار “العود محمي بحزمته وضعيف حين ينفرد”.
في تمام الساعة 11 مساء، من يوم الجمعة، وفي أرجاء متفرقة من المغرب، كان البعض يستعد للنوم والبعض الآخر ما زال في الشارع، مارست الطبيعة طقسها الجائر، فزلزلت الأرض، بهزة كانت كفيلة في ثوان معدودة، بأن تهدم الخواطر والأحلام وتنقش آثارا أبدية، مخلفة مشهدا مروعا، لأشخاص بملامح مشتركة، بأعين خائفة وقلوب مرتجفة، منهم من استوعبوا الكارثة فسارعوا للهرب، ومنهم من قادتهم الحيرة نحو الهلاك.
وخلف هذه الصور المرعبة، برز مشهد جميل لتكاثف وتآزر مغاربة الداخل والخارج، مع من تربصت بهم الأقدار الجائرة، الذين أثبتوا أن للوطن أبناء بررة، وأنه في وقت الشدة، تنصهر كل الاعتبارات خدمة للوطن، فالمغاربة في النهاية كالأشجار المختلفة، التي تسقى بماء واحد، وتتقاسم نفس التاريخ والمصير.
وأطلقت مجموعة من الفعاليات، مبادرات متنوعة لمساعدة ضحايا الزلزال، بدء بأعضاء الفريق الوطني، الذين تبرعوا بدمهم، استجابة للنداء، الذي وجهه المركز الجهوي لتحاقن الدم بأكادير، من أجل المساهمة في إنقاذ جرحى الزلزال.
وهو الأمر الذي قوبل بتأييد شعبي كبير، دفع العديد من المغاربة، إلى اتخاذ نفس الخطوة، خاصة مع تعالي النداءات على مواقع التواصل الاجتماعي، الداعية إلى تقديم المساعدة، حيث تم منذ إطلاق هذه العملية، وجمع ما يناهز 900 كيس دم، بكل من مركز التحاقن ببني ملال، وفروعه بخريبكة وأزيلال.
وبالموازاة مع التبرع بالدم، انخرط عدد كبير من مغاربة الداخل والخارج، في جمع وتقديم مساعدات مادية، من خلال المساهمة في “الصندوق الخاص بتدبير الآثار المترتبة على الزلزال الذي عرفته المملكة المغربية”، الذي أطلقه بنك المغرب، تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية.
بدورهم، استغل عدد من المشاهير والمؤثرين، حساباتهم الشخصية، من أجل جمع التبرعات من مواد غذائية، وأغطية وخيام، لإيصالها إلى بعض المناطق المتضررة، فيما سخر شابان مغربيان، معرفتهما العلمية وإمكانياتهما المادية، من أجل التنقل من مدينة تطوان صوب تارودانت، بهدف فك العزلة عن المنطقة، ونجحا في إنارة المنطقة، من خلال استعمال بطاريات، وإتاحة الولوج إلى خدمات الإنترنيت، عبر الأقمار الاصطناعية.
وتجدر الإشارة، إلى أن فرق البحث والإنقاذ، تواصل عملياتها، للوصول إلى جل المناطق المتضررة من الزلزال، خاصة الجبلية والنائية.
وأفاد المعهد الوطني للجيوفيزياء، أن قوة الزلزال، بلغت 7.2 درجات على مقياس ريختر، فيما أفادت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، أن شدته وصلت إلى 6.8 درجات، على نفس المقياس.
وجدير بالذكر أيضا، أن الملك محمد السادس، كان قد أصدر أوامره، بالتكفل بالأشخاص الذين أصبحوا بلا مأوى، بسبب تداعيات الزلزال، إضافة إلى التعبئة الشاملة، لمؤسسة محمد الخامس للتضامن، بغية تقديم الدعم والمواكبة للمواطنين، في المناطق المتضررة من الزلزال.