أسماء المدير، هو اسم من بين آلاف الأسماء المغربية التي حجزت لنفسها مكانا بين الكبار، فلم تكن تعلم وهي التي اكتشفت سحر الصورة في سن العاشرة من أفلام الكارتون، أن مشيئة القدر سترسم لها رحلة متفردة لتكون صانعة أفلام عالمية.
بدأت أسماء رحلتها وهي صغيرة نحو حلم راودها وهي تشاهد أفلام الكرتون، فسارت وهي تختزن طموحات تتسع للكون، لم تخلقها الصدفة ولم تعرقلها التحديات، والناظر إليها يرى بريق عينين يترجمان ما تكتنزه من إبداع وارتباط بالماضي والهوية والتاريخ.
رأت أسماء النور سنة 1990 في مدينة سلا، وحصلت على شهادة الماجستير في السينما الوثائقية، من جامعة عبد المالك السعدي في تطوان، ودرجة الماجستير في الإنتاج من المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط.
وكانت قد درست كذلك في المدرسة الوطنية لمهن الصورة والصوت في باريس، وتخرّجت في سنة 2010 من الأكاديمية المغربية للسينما في الإخراج والخيال.
ويشهد من درسوها أنها كانت تلميذة نجيبة ومثابرة، وتوقعوا لها مستقبلا عظيما، فما كان منها إلا أن اشتغلت ليل نهار لتبني واقعا يتحقق فيه كل ما حلمت به وما تنبأ به مدرسوها.
ومنذ أن قدمت لنفسها هدية كانت عبارة عن آلة للتصوير، أيقنت أسماء في تلك اللحظة من أن حبها لعالم الصورة لم يكن مجرد حنين للطفولة أو لأفلام الكرتون، بل كان أعمق من ذلك، فسكنها هذا الولع وتملكها، إلى أن قررت أن تتخصص في السينما بعدما درست المسرح والفلسفة والأدب.
ومسيرتها لم تتلاعب بها حظوظ الصدفة، بل كانت المقادير الإلهية، من جادت عليها بأسرة وحضن ساند اختياراتها، وبث فيها روح امرأة شغوفة، محبة وتواقة لاكتشاف المزيد وقوية كجدتها.
لطالما حلمت أسماء المدير بسينما صادقة وشفافة، تعكس الواقع وتعبر عنه بكل صدق، فبالنسبة لها هي لغة عالمية لا تعترف بأي معيار سواء كان السن أو الجنس أو الموضوع، بل كل ما تكترث له هو الصدق الذي يحمل سحرا يجعل المشاهد أسيرا له.
هذا الوفاء للصدق، جعلها تستنبط من الواقع المعاش ومواقفه المتعددة تيمة لأفلامها، كما أن اختيارها للممثلين لا يكون عشوائيا بل روحياغ، حيث تضع بعناية فائقة في كل دور من يناسبه ويعبر عنه بصدق وإحساس.
ولم تتنكر يوما ما لثقافتها المغربية وحضارتها الكبيرة ولم تدر بظهرها للتاريخ وقصصه، بل فضلت أن يكون مادة خام تنهل منه ومن أحداثه ما يلائم ما اختارته من مواضيع، فوظفت بذلك في أفلامها عناصر ثقافية مغربية وومضات من عمق التاريخ أكسبتها التميز.
وأخرجت أسماء العديد من الأفلام الوثائقية والروائية، بالإضافة إلى أفلام قصيرة وأخرى طويلة، واشتغلت لصالح مؤسسات مرموقة، من قبيل: الجزيرة الوثائقية منذ سنة 2009 كمخرجة، ثم كمنتجة مستقلة، والبي بي سي، والتلفزيون العربي، وكذا الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، كما شاركت أيضًا في صندوق الأسهم “Equity Fund” من إنتاج “نتفليكس” مع أربع مخرجات عربيات.
وأخرجت أسماء مجموعة من الأعمال الفنية التي لاقت استحسانا كبيرا من قبل الجمهور والنقاد، من قبيل: الرصاصة الأخيرة (2010)، وألوان الصمت (2011)، والحمد لله إنه يوم الجمعة (2013) وقطع خشنة (2015) ثم هارما (2016)، بالإضافة إلى الحرب المنسية (2019)، ثم أمّ الأكاذيب (2019) وكذا في زاوية أمي 2020.
ودخلت أسماء تاريخ السينما المغربية، بفيلم “كذب أبيض”، بعد فوزه بالجائزة الكبرى “النجمة الذهبية” للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، الذي اختتمت فعاليات دورته العشرين يوم السبت الماضي، ويصور هذا الفيلم قصة أسماء التي تعود لمنزل والديها بمدينة الدار البيضاء، من أجل مساعدتهما على الانتقال إلى منزل آخر، وحين تعود لأغراضها الطفولية تعثر على صورة تجعلها تتسائل عن الأكاذيب التي قيلت لها من طرف عائلتها.
ويمزج الفيلم بين قصتين، واحدة شخصية للمخرجة نفسها، والأخرى وطنية عاشها المغاربة خلال “سنوات الرصاص”، حيث تصور انتفاضة سنة 1981 ضد غلاء المعيشة، والتي سقطت خلالها أرواح مجموعة من المناضلين، موظفة بذلك شهادات شخصيات حقيقية عاشت هذا الحدث، من بينها جدتها التي كانت تتميز بشخصية قيادية وسلطوية.
وسبق لأسماء المدير أن فازت بمجموعة من الجوائز، ويتعلق الأمر بالجائزة الكبرى في مهرجان أفلام المرأة الدولي في تورنتو خلال سنة 2021، والجائزة الكبرى في مهرجان ازريل السينمائي في نوورو خلال نفس السنة.
بالإضافة إلى أن فيلمها “كذب أبيض”، قد فاز في ماي الماضي بجائزة أفضل إخراج في قسم (نظرة ما) بمهرجان كان السينمائي، كما رشحه المغرب لخوض غمار المنافسة على جائزة أوسكار أفضل فيلم دولي في الدورة السادسة والتسعين، للجائزة التي تمنحها سنويا الأكاديمية الأمريكية لفنون وعلوم السينما.