أدى تدفق المهاجرين إلى المغرب إلى تغيير جذري في ديناميكية الهجرة في المنطقة، وتحول المغرب من مجرد نقطة عبور إلى استقرار للآلاف من المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء، مما فرض على السلطات المغربية تحديات جديدة وإجراءات متعددة لمواجهة هذه الظاهرة.
وفي هذا السياق، سلط، الباحث في الدراسات الأمنية والاستراتيجية محمد الطيار، الضوء في تصريحه لجريدة “سفيركم” على هذه الظاهرة، وتأثيرها على المغرب، مبرزا التحديات اللامحدودة للتدفق الهائل للمهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء.
وقال محمد الطيار، “إن تدفق المهاجرين على المغرب جعله يتحول من نقطة عبور إلى مستقر للآلاف من المهاجرين الأفارقة، كما أن هذا التحول دفع السلطات المغربية للقيام بعدة إجراءات لاحتواء الظاهرة، منها فتح المجال أمام تسوية وضعية العديد من المهاجرين غير الشرعيين الذين فضلوا الإقامة في المغرب بعدما تعذر عليهم المرور إلى أوروبا، مما جعل المغرب ثاني دولة إفريقية مستقطبة للمهاجرين بعد دولة أوغندا”.
وأوضح المتحدث، أن الموقع الجغرافي للمغرب دفع الدول الغربية إلى اعتباره عن طريق العديد من الاتفاقيات والبرامج المتعلقة بالهجرة غير الشرعية، “دولة عازلة” تفصل أوروبا عن مصدر الهجرة، وجعله بالتالي محطة أولية لمواجهة تدفق المهاجرين غير الشرعيين قبل وصولهم إلى اليابسة الأوروبية، مشيرا إلى أن الدول الأوروبية قامت منذ قمة “تامبير” 1999، و”لاهاي” 2004، و”ستوكهولم” 2008، بتوحيد سياساتها في مجال الهجرة، بجعل محاربة الهجرة غير الشرعية أولى أولوياتها عن طريق القيام بعدة تدابير مادية، وقواعد قانونية زجرية.
وأضاف الطيار في حديثه عن تأثير الهجرة غير النظامية على سبتة ومليلية المحتلتين، قائلا،”أصبحت مدينتا سبتة ومليلية خلال العقدين الأخيرين مقصدا لآلاف المهاجرين الأفارقة من منطقة الساحل الإفريقي وجنوب الصحراء، حيث يفضل المهاجرون غير النظاميين هذه الوجهة، لأنهم يستطيعون الوصول إلى “أراض أوروبية” بمجرد دخولهم إلى الثغرين، كما أن هذا المسار يعتبر أقل خطورة مقارنة بغيره من المسالك”.
وذكر الخبير الأمني، أنه “في يوم 28 شتنبر 2005، حاول 700 مهاجر إفريقي اختراق سياج مدينة مليلية باستعمال سلالم بدائية الصنع، مما أدى إلى مقتل 14 مهاجرا في المواجهات مع الأمن المغربي، حيث تكررت هذه الأحداث في السنوات اللاحقة، مما جعل المغرب في وضعية خاصة، ويطرح تدفق المهاجرين مشكل نجاعة مراقبة حدوده ودرجة القدرة على اختراقها، ويطرح كذلك مشكل وضع مدينتي سبتة ومليلية بالنسبة لأمنه القومي.
وبخصوص الأبعاد الاستراتيجية لإنشاء السياجات حول سبتة ومليلية المحتلتين، قال الخبير الأمني محمد الطيار، “لا ترتبط خطورة وضع المدينتين فقط بتشجيع الهجرة إلى المغرب، فبالإضافة إلى الأهداف المعلنة المتمثلة في إيقاف الهجرة غير النظامية، فإن قيام إسبانيا بإنشاء سياجات حول سبتة ومليلية له أهداف إستراتيجية بعيدة المدى”.
وتَعتبر إسبانيا من جانبها حسب الطيار، بناء السياجات أحد الإجراءات التي تهدف من خلالها إلى تعزيز الوضع الراهن للاحتلال بوصفه عنصرا أساسيا من إستراتيجية تضمن بناء السياجات والأسوار الحدودية، وترسيم الحدود بحكم الواقع مع المغرب من جانب واحد، ومنح الثغرين الحكم الذاتي، وسن قوانين هجرة تقييدية، وتنظيم زيارات للملك وأعضاء الحكومة الإسبانية إلى الثغرين”.
ويشكل تحول المغرب إلى بلد مستقر للمهاجرين تحديا كبيرا يفرض عليه التعامل بحكمة وفعالية مع تدفق الهجرة غير الشرعية، ويجب أن تتضافر الجهود بين الدول المعنية لتحقيق إدارة فعالة للهجرة، وضمان أمن واستقرار المناطق الحدودية.