تحتضن مؤسسة “دار المغرب” خلال الفترة الممتدة من 22 ماي إلى 15 يونيو 2025، المعرض الفوتوغرافي”صنع في الهند”، للفنانة والمصورة الفوتوغرافية الراحلة ليلى العلوي، بهدف إحياء ذاكرتها، وأرشفة أعمالها، والدفاع عن القيم التي آمنت بها، وكذا تشجيع الفنانين الذين يسخرون فنهم للدفاع عن كرامة الإنسان.
وأوضحت فاليريا بارونكالي؛ وهي موظفة في معرض كونتينوا، في تصريح قدمته لموقع “سفيركم” الإلكتروني، أنها تتولى مسؤولية المعرض والمشاريع المتعلقة بليلى العلوي، التي توفيت في سنة 2016 بسبب الهجوم الإرهابي في بوركينافاسو، مبرزة أن المعرض يتولى مهمة إيصال رسائلها من خلال أعمالها وصورها ومشاريعها.
وأضافت قائلة: “هنا نقدم معرضا بعنوان ‘صنع في الهند’ الذي أنجزته ليلى بين عامي 2011 و 2014، حين صورت جميع العمال والأشخاص المشتغلين في مصنع نسيج بمدينة شيناي”.
ومن جانبها، أعربت الكوميدية مايا راشا، في تصريح مماثل، عن تأثرها الكبير بحضور معرض الفنانة ليلى العلوي، الذي وصفته بـ”الرائع”، وأضافت قائلة “لا توجد كلمات تصف هذا المعرض، فروح ليلى حاضرة دائما في كل معرض وصورة، وفي كل كلمة أو حتى نظرة كل امرأة، وفي كل شخص كانت تلتقط صوره، هناك شيء من ليلى، التي ستبقى دائما وأبدا حية في قلوبنا”.
وبدورها، قالت كريستين العلوي، والدة ليلى العلوي، التي كانت تشتغل كمصورة فوتوغرافية، أنها كانت تأخذ أطفالها دائما إلى معارض الصور بحكم عملها كمصورة، لكن ليلى كانت ترسم رسومات ملونة جدا، على عكس أختها التي كانت دائما ما تهتم بالتفاصيل، مضيفة أن اهتمامها هذا “كان مؤشرا مبكرا على ما قامت به لاحقا، من خلال عدة بورتريهات ملونة، مثل سلسلة ‘المغاربة'”.
وذكرت المتحدثة ذاتها أن ليلى لم تكتشف التصوير إلا في المرحلة الجامعية، حين كانت تدرس علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، مبرزة أنها كانت قد أخذت درسا في التصوير، فقال لها الأستاذ: “ليلى، أنت أفضل طالبة رأيتها، تصورين بورتريهات مذهلة”، مشيرة إلى أنه من ساعدها على اكتشاف موهبتها.
وأضافت أن الأسرة أصبحت بعد رحيل ليلى تولي أهمية كبيرة لأرشفة إنجازاتها وأعمالها، حيث قالت: “ليلى كانت تعمل بجد ، لذلك اشتغلنا لعدة سنوات على أرشفة أعمالها، فمن الطبيعي أن تكون أولويتنا اليوم أن تبقى حية في ذاكرتنا نحن كعائلة، وأيضا في ذاكرة العالم.”.
ولفتت كريستين إلى أن أسرتها تعمل على مشروع ثقافي وفني في فرنسا، تخليدا لمسيرة الراحلة، ويتعلق الأمر بإنشاء مقر مخصص للتصوير الفوتوغرافي في فرنسا، مشيرة إلى أنها وجدت موقعا مناسبا ما يزال في طور التصميم قرب “آرل”، وهي المنطقة التي كانت تحب ليلى أن تذهب إليها كل سنة لحضور مهرجان التصوير.
وتحدثت العلوي عن مرارة فقدان ابنتها، قائلة: “ألم فقدان أحد أطفالك فظيع جدا، ولا يزول مع السنوات، بل يتخذ أشكالا أخرى.” وتضيف: “من الصعب أن أرى أصدقائها وقد أسسوا عائلات، ونحن نعلم أننا لن نرى أطفالها أبدا، وهي التي كانت تعشق الأطفال. في الحقيقة، الأمر يزداد صعوبة مع الوقت”.
وأكدت أنه في الوقت الذي تحاول فيه أسرتها إبقاء ذاكرتها حية بطريقتها الخاصة، تقام في جميع أنحاء العالم تكريمات في حق ليلى بمناسبة الذكرى العاشرة لرحيلها، مثل الهند والبرازيل، إلى جانب ثلاث معارض أخرى في فرنسا والمغرب وغيرها، مشددة على أن العائلة مصممة على النضال من أجلها.
وكشفت عن مبادرة شخصية لزوجها الذي كتب كتابا مؤثرا عن الفاجعة، قائلة: “زوجي ليس كاتبا، لكنه شعر بالحاجة إلى كتابة مأساتنا. فألف كتابا بعنوان “Off to Ouaga”، وهي آخر كلمات قالتها ليلى لوالدها، حين كانا في باريس صباح يوم سفرها، قالت له: بابا، أنا ذاهبة إلى واغا”.
واستطردت أن “الناشر أضاف عنوانا فرعيا: يوميات حداد مستحيل، والكتاب سيتحول إلى فيلم سينمائي، من إخراج أحد أصدقاء ليلى المقربين من الجامعة، بمشاركة ممثلين كبار سيجسدون أدوارنا، ودور ليلى، نحن سعداء بكون قصة ليلى ما تزال مستمرة”.
واسترجعت كريستين العلوي لحظات ليلى الأخيرة، قائلة: “تحدثنا معها هاتفيا لفترة قصيرة بعد إصابتها. كانت في وضع سيئ جدا، وقالت لي: ماما، لا تقلقي، سأنجو، لكنها لم تنجُ. ولم نتمكن حتى من التحدث إليها بعد ذلك، كانت حالتها متدهورة جدا”.
وأردفت: “لم أسافر فورا إلى واغادوغو لأننا كنا نأمل أن تُنقل في طائرة طبية إلى هنا، فقررنا إرسال ابننا بدلا منا لأنه لم يكن ممكنا أن نرافقها جميعا في الطائرة. لكنه للأسف عاد بها في نعش إلى المغرب. كانت حالتها سيئة جدا. بطريقة ما، ربما منعنا ذلك من رؤية ما لا يُحتمل”.
وخلصت كريستين بالتعبير عن سعادتها من الأثر الإيجابي الذي تركته ليلى، إذ قالت: “يسعدني أن أرى أشخاصا مثلكم يبكون حين يتحدثون عن ليلى، الكثير من الأمهات المغربيات يأتين إلي، يحتضنني ويقلن: شكرا لأنك أنجبت ليلى. بعضهن يقلن إن بناتهن سيدرسن السينما أو التصوير. وهذا أكثر ما يسعدني، وهو أكثر ما كان ليسعد ليلى أيضا… أن ترى شبابا يسيرون على نفس خطاها.”
من هي ليلى العلوي:
وتجدر الإشارة إلى أن ليلى العلوي، هي فنانة فرنسية-مغربية، ولدت في سنة 1982 بباريس، درست التصوير الفوتوغرافي في جامعة نيويورك، وكرست أعمالها لمواضيع الهوية، والتنوع الثقافي، وقضايا الهجرة في البحر الأبيض المتوسط، حيث اعتمدت في تعبيرها الفني على الصورة الفوتوغرافية والفيديو، مستعملة لغة بصرية تم ج بين التوثيق والفن التشكيلي.
ومنذ سنة 2009، عرضت أعمالها في عدد من المؤسسات الفنية الدولية، من بينها معهد العالم العربي والبيت الأوروبي للتصوير الفوتوغرافي في باريس، إلى جانب قاعة “كونستهال” في مالمو (السويد)، والقصر الوطني بقلعة “كاشكايش” في البرتغال، ومتحف الفنون الجميلة في مونتريال (كندا)، ومجموعة “لامبير” في مدينة أفينيون.
كما انخرطت ليلى العلوي في مهام إنسانية بالتعاون مع منظمات غير حكومية مرموقة، مثل المجلس الدنماركي للاجئين، و”Search For Common Ground”، والمركز الدولي لحقوق الإنسان.
وفي يناير 2016، كلفتها منظمة العفو الدولية بإنجاز مشروع بصري حول حقوق النساء في بوركينا فاسو، حيث أُصيبت بجروح خطيرة في الهجوم الإرهابي الذي استهدف العاصمة واغادوغو، ولم تنجُ منه، حيث توفيت يوم 18 يناير 2016.