كانت هالة غاريط دبلوماسية أمريكية مخضرمة تعمل دائما في أروقة السلطة، وليس في الأضواء، عندما اختارت التغيير قبل عامين لتصبح واحدة من وجوه الدبلوماسية الأمريكية لوسائل الإعلام العربية.
وأوضحت غاريط، المولودة في المغرب، في إحدى مقابلاتها الأولى مع صحيفة “واشنطن بوست” أن استقالتها الأسبوع الماضي من حياتها المهنية التي استمرت 18 عاما في وزارة الخارجية جاءت لأنها لا تستطيع الدفاع عن سياسة إدارة بايدن في غزة، قائلة “اعتقدت أنه (العمل بالخارجية الأميركية) سيكون مثيرا للغاية.. لم أتوقع هذه النهاية على الإطلاق.”
وبعد ما يقرب من سبعة أشهر من دعم الإدارة الأميركية غير المحدود لإسرائيل في حربها ضد غزة، أصبحت غاريط أول دبلوماسية مهنية تستقيل احتجاجا على ما أسمته “السياسة التي من شأنها أن تعيق مصالح واشنطن في العالم العربي لجيل كامل”.
وقالت غاريط لصحيفة “واشنطن بوست” إنها شعرت أن استمرار تدفق الأسلحة الأمريكية إلى إسرائيل يزيد من الأزمة الإنسانية في غزة ويشعل الغضب تجاه واشنطن في العالم العربي.
وأضافت غاريط أن الديبلوماسيين داخل وزارة الخارجية، يخشون التعبير عن وجهات نظر تتعارض مع السياسة الرسمية، على عكس معظم القضايا الأخرى التي كانت المناقشة القوية هي القاعدة فيها خلال حياتها المهنية.
وأردفت في حوارها متحدثة عن أسباب استقالتها قائلة “أنا أؤمن بالقدرة على تغيير الأشياء من الداخل.. أؤمن بقوة الخير من خلال الدبلوماسية..ما زلت أريد أن أؤمن بذلك”.
واستطردت بعدها، “لكن في نهاية المطاف، كان من الواضح تماما بالنسبة لي من خلال العديد من المحادثات أنه لا أحد داخل الإدارة، يمكن أن يُحدث أي تغيير”.
انضمت غاريط، التي نشأت في ولاتي نيفادا وكاليفورنيا وتخصصت في الشؤون الدولية ودراسات الشرق الأوسط في جامعة جورج واشنطن، إلى وزارة الخارجية مباشرة بعد تخرجها من كلية الدراسات العليا في جورج تاون.
خلال حياتها المهنية، عملت في قطر على تمويل مكافحة الإرهاب، وفي جنوب أفريقيا لمقاومة التطرف العنيف، ومسؤولة سياسية في اليمن، من بين وظائف أخرى.
ولكن ابتداء من أكتوبر، قالت غاريط لواشنطن بوست، إنها رفضت إجراء مقابلات إعلامية عربية حول غزة لأنها شعرت أن نقاط الحوار الرسمية الأمريكية ستلهب الوضع، وليس تبريده.
وقالت إن “نقاط الحديث كانت استفزازية.. في كثير من الأحيان تجاهلوا الفلسطينيين تماما..في الأيام الأولى للحرب كان الأمر ثقيلا جدا بسبب الأزمة (إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها).. نعم لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، ولكن لم يكن هناك ذكر لمحنة الفلسطينيين”.
وتابعت “أنا..بضمير مرتاح.. لم أستطع الذهاب إلى الإعلام العربي مع نقاط الحديث هذه.. كان ذلك سيسبب فقط رمي شخص حذائه على التلفزيون أو حرق علم أمريكي أو ما هو أسوأ من ذلك رمي صاروخ على قواتنا “. وقالت حول ذلك “لن أكون السبب في كره شخص لأمريكا بشكل أكثر”.
ورأت غاريط في الحوار، إنها تخشى أن الأطفال الذين تيتموا بسبب الحرب قد “يلتقطون مسدسا في نهاية المطاف ويسعون للانتقام..نحن نروج لدورة انتقام الأجيال التي لا تجعل الإسرائيليين أكثر أمانا”، تضيف الدبلوماسية ذات الأصول المغربية.
وبدلا من إجراء مقابلات حول سياسة أمريكا حول غزة، قالت غاريط إنها ركزت على جوانب أخرى من وظيفتها، بما في ذلك مراقبة وسائل الإعلام باللغة العربية لإبلاغ الإدارة الأميركية عن تغطيتها وخلافها مع سياسة الولايات المتحدة.
وأبرزت غاريط قائلة، “كنت أرى على أساس يومي الصور التي كانت تنتشر في العالم العربي لجميع الأطفال القتلى”، متسائلة “كيف يمكن أن لا تؤثر عليك كإنسان، كأم؟”.
وأضافت “معرفة أن قنابلنا هي التي كانت تقتل هؤلاء الأطفال أمر دمرنا.. وعلى الأرجح الأكثر تدميرا لنا معرفة أنه على الرغم من كل ذلك ما زلنا نرسل المزيد من الأسلحة لأننا بطريقة ما نعتقد أن هذا هو الحل..إنه جنون.. الدبلوماسية وليس الأسلحة هي ما نحتاجه”.
وقالت في ذات اللقاء، إن التعبير عن المخاوف بشأن السياسة داخل وزارة الخارجية الأميركية لم يكن سهلا، مؤكدة أنها لم تشهد من قبل مثل هذا الخوف وعدم الراحة بين الدبلوماسيين.
ورأت أنها شعرت أن الزملاء عاملوها بشكل مختلف بسبب خلفيتها العربية الأمريكية، قائلة “أغضبني ذلك حقا، بصراحة تامة، حتى النخاع لأنني دبلوماسية أمريكية وفقط”، مضيفة أن تراثها المغربي لا علاقة له بعملها كصانعة سياسات أمريكية.
وقال غاريط في ذات السياق، “لا يجب أن تكون أي أمريكي ذو أصول لتتأثر بما يحدث في غزة”.
ومنذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة استقال اثنان من موظفي وزارة الخارجية احتجاجا على سياسة الإدارة، جوش بول، وهو موظف مدني عمل في مجال المساعدات العسكرية الأجنبية، وأنيل شيلين، التي عملت لمدة عام كمسؤولة للشؤون الخارجية في مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل.
ورفضت وزارة الخارجية الأميركية التعليق على تفاصيل استقالتها، مستشهدة بمسألة تتعلق بشؤون الموظفين، وقال وزير الخارجية أنتوني بلينكن إنه يرحب بالآراء المتضاربة ويقرأ البرقيات التي تأتي من خلال قناة المعارضة الرسمية للإدارة.
وتأتي استقالة غاريط وفق “واشنطن بوست” لتؤكد انقساما حادا في محيط الرئيس الأمريكي جو بايدن مع الأزمة، مشيرة إلى أن حتى الديمقراطيين الوسطيين انتقدوا معاملة إسرائيل للمدنيين في غزة وناقشوا قطع المساعدات العسكرية إذا لم يتغير السلوك الإسرائيلي.
وجاءت في سياق استولت فيه الاحتجاجات على الحرم الجامعي في جميع أنحاء البلاد. وعلى الرغم من أن بلينكن في الشرق الأوسط “يسعى” إلى التوسط لوقف إطلاق النار وزيادة تدفق المساعدات الإنسانية إلى الأراضي الفلسطينية، فقد أعلن القادة الإسرائيليون أنهم يخططون لغزو مدينة رفح الجنوبية بغض النظر عن أي شيء، وهو قرار يخشى بايدن وكبار المسؤولين الأمريكيين الآخرين أن يكون كارثيا.
تعليقات( 0 )