عبد العزيز النويضي ، أو “رجل المواقف” كما يحب البعض أن يطلق عليه، عاش كريما متشبتا بمبادئ لا تتزحزح، أفنى حياته في خدمة من لا صوت لهم، فكثيرا ما كان هو صوتهم الذي يرافع عنهم، ويبذل الغالي والنفيس ليرتقي بالمجال الحقوقي بالمغرب، وها هو اليوم قادته الصدفة إلى مقابلة صحفية دخلها وهو محمل بالأوراق ومشحون بمواقف صادقة لم يكن يعلم أن لحظاته فيها ستكون هي الأخيرة.
محطات نضالية
ويعتبر الراحل من الوجوه البارزة الرائدة في المجال الحقوقي، بصم على محطات نضالية زادت من صلابته وكشفت عن معدنه الثمين، فتارة كان محامي يدافع عن الناشطين والصحفيين وتارة أخرى كان حقوقيا تؤرقه قضايا بلده ويحمل على عاتقه هم الدفع به نحو الأمام.
وكان الراحل قد شغل مجموعة من المناصب، في مجموعة من الهيئات والمنظمات التي تعنى بحقوق الإنسان، حيث أنه من أسس جمعية عدالة، وساهم في تطويرها، وكان عضوا في الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح القضاء، كما كان عبد العزيز النويضي، الذي كان ينتمي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في السابق مستشارا للوزير الأول عبد الرحمن اليوسفي. أما في سنة 2022 فقد جرى انتخابه لمنصب الكاتب العام للجمعية المغربية لمحاربة الرشوة “ترانسبرانسي المغرب”.
ولم تقتصر عظمة هذا الرجل على محطاته النضالية فقط، بل كان يبني وينشأ أجيالا ستحمل المشعل من بعده، فكان متفانيا في تدريسه للقانون، ومساعدة طلبته على شق مسارهم، حيث أصدر مجموعة من الأعمال الأكاديمية التي ما تزال تؤثث مكتبات كليات الحقوق بالجامعات المغربية.
كتابه “مذكرات مستشار الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي”
وبما أن عبد العزيز النويضي، قد عاش لفترة مهمة إلى جانب الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي في حكومة التناوب وعمل إلى جانبه، ويعلم جيدا وعن قرب تفاصيل تلك المرحلة من تاريخ المغرب، لذلك قرر النويضي أن يصدر كتابا اختار له عنوان “مذكرات مستشار للوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي.. دروس من تجربة التناوب وما بعدها”.
ويزيح هذا العمل الستار على تفاصيل خفية من تاريخ المغرب السياسي، وتحديدا خلال حكومة التناوب التوافقي، التي ما زالت إلى حدود الآن تستأثر باهتمام العديد من المفكرين والباحثين في مجال السياسة.
وكان الهدف الأسمى للنويضي هو التأريخ لهذه المرحلة، لفهم الدينامية السياسية في المغرب، بعيدا عن أي ترميم أو انتقاد، حيث قال في مقدمة كتابه: “لا يدخل في اهتمام هذه المذكرات الدفاع عن تجربة الفقيد أو الإشادة بمناقبه التي يعترف بها حتى خصومه السياسيون، كمناضل من أجل التحرر من الاستعمار ومن أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان رغم ما يمكن أن يؤاخذ عليه في بعض الجوانب من طرف من اختلفوا معه؛ بل إن الهدف الرئيسي هو إلقاء مزيد من الضوء على محطة مهمة من الزمن المغرب المعاصر، لفهم أكبر للدينامية السياسية ببلادنا، عبر سرد محطات ووقائع عشتها مع الرجل وتدقيق بعض الروايات المغلوطة أو الناقصة… كل ذلك خدمة للديمقراطية في بلادنا، ووفاء للتاريخ والحقيقة”.
تعليقات( 0 )