لحظات الهلع والصدمة، عاشها المغاربة، مساء الجمعة الماضي، جراء الزلزال العنيف، الذي ضرب إقليم الحوز، ووصل صداه إلى عدة مدن مغربية.
وجوه بريئة مذعورة، بكاء، صراخ، مفردات غير مفهومة يرددها الأطفال، كلها صور ميزت الليلة الصعبة، التي عاشها صغار السن إلى جانب الكبار، في اللحظة التي كان الجميع صغيرا أمامها.
لا زال ريان ينتظر تكرار الزلزال مرة أخرى
تقول والدة ريان ذي الخمس سنوات، إن طفلها لم يعد يستطيع النوم بمفرده، منذ ليلة السبت الماضي، إنه “يرتجف حين يتقرب موعد النوم، ويطلب مني الخروج إلى الشارع، كما فعلنا ليلة الزلزال، بدلا من النوم في المنزل، وحين أقنعه أخيرا بالنوم، بعد أن أستلقي بجواره، يستيقظ ليلا، ويخيل له أن الزلزال تكرر من جديد، وأننا سنغادر مرة أخرى”.
وتوضح أم ريان، في تصريح لموقع “سفيركم”، أن ابنها يكرر كلمة “زلزال” مرات عدة، ويتوهم أن الثريا تتحرك أو أن النافذة تهتز.
وتابعت الأم موضحة: “كان يوم الإثنين، صعبا بالنسبة لي، حتى أقنع ريان بالعودة إلى المدرسة، بعد أن قضينا عطلة نهاية أسبوع ‘سوداء’، كان يرفض الذهاب إليها، حتى طمأنته أن الزلزال لن يتكرر، ولن يصل إلى هناك”.
الهلع والصدمة رد فعل طبيعي أمام هول الكارثة
تقول إيمان أوخير، طبيبة نفسية للأطفال والمراهقين، إن كارثة الزلزال وامتدادها الجغرافي، في عدد من المدن المغربية، أحدث حالة من الهلع الصدمة، لدى عدد كبير من الأطفال.
غير أن ردة الفعل تختلف من طفل لآخر، تضيف الخبيرة، حسب السن، ومظاهر الدمار التي عايشها، وما إن كان قد أصيب هو أو أحد المحيطين به، وكذلك درجة فهمه للأشياء، وما إن كان يعاني من هشاشة او اضطرابات نفسية سابقة، بالإضافة إلى المساندة التي تلقاها، من الأشخاص المحيطين به لتجاوز الكارثة.
وأوضحت أوخير، في تصريح لموقعنا، أنه “خلال 48 ساعة الأولى بعد الكارثة، يلاحظ لدى عدد كبير من الأطفال، إحساسهم بالكآبة، والقلق، والعصبية، وضعف الشهية، وصعوبة في التركيز والنوم وغيرها. ويبقى هذا رد فعل طبيعي، أمام هول الكارثة، ودرجة تهديدها لسلامة الاشخاص”.
وتابعت الطبيبة النفسية: “غير أن عددا قليلا من الأطفال، تستمر معهم هذه العلامات لمدة أطول، وتزداد حدتها لتصل مثلا إلى الترقب طوال الوقت، وتوقع الأسوأ، واسترجاع صور الزلزال، والكوابيس، والشكاوى المستمرة حول الصحة الجسدية، وتراجع في الحياة الاجتماعية والتحصيل الدراسي، مصاحبة مع أمراض نفسية أخرى كالاكتئاب ونوبات الهلع”.
وأضافت أوخير: “وهنا نتكلم عن ‘اضطراب الإجهاد الحاد’، في حالة استمرت هذه العلامات لأقل من أربع أسابيع، في حين، نتحدث عن ‘إجهاد ما بعد الصدمة’، في حالة استمرارها لمدة أطول، وهي الحالة التي قد يصل إليها الأطفال، الذين يعانون من هشاشة نفسية، أو أولئك الذين نجوا من الموت، أو عاينوا موت أشخاص أمامهم أو فقدوا أحد أقربائهم”.
الاستماع للطفل والتكيف مع الأزمة وسيلة لمواجهتها
من جهتها، اعتبرت ربيعة بوسلهام، المستشارة النفسية والتربوية، أن “التكيف والتعايش مع الأزمة وآثارها، هو مسألة مهمة، لمساعدة الأطفال، على تجاوز الصدمة الناتجة عن الزلزال، فهذه العملية تساعد على تخطي الأزمة، وتجنب تطورها إلى قلق واكتئاب ثم اضطراب نفسي”.
وشددت بوسلهام، في حديثها لـ”سفيركم”، على ضرورة مرافقة الأطفال، لتجاوز حالة الهلع والصدمة، والاستعانة بخلايا الدعم واليقظة، التي ستتواجد بالمؤسسات التعليمية والمستشفيات، مؤكدة على ضرورة الاستماع إليهم، ومعرفة ما الذي يخيفهم، لمحاولة طمأنتهم.
ومن بين التدخلات العلاجية والتكيفية، تقترح بوسلهام، على الأمهات والآباء، إشراك أبنائهم، في المبادرات التطوعية والحملات الإنسانية، لمساعدتهم على تجاوز الشعور بالخوف والصدمة، معتبرة أن إحساس التضامن، يقلل من وقع مشاعر الحزن لدى الطفل.
ونبهت المتحدثة ذاتها، إلى خطورة تعريض الأطفال للأخبار، ومشاهد الخراب والدمار وصور القتلى، وأكدت أن الطفل في غنى تام، عن تلقي هذه المعلومات، بل يجب الاكتفاء بإخباره، أن محاولات الإنقاذ لا زالت مستمرة، وأن الوضع تحت السيطرة”.
وأضافت بوسلهام قائلة: “من المهم أيضا، أن تعيد الأسر تنظيم حياتها بعد الأزمة، من خلال العودة إلى المدارس، التي ستسهم أيضا في تقوية قيم التكافل والتعاون، والتأكيد على الأبعاد الدينية والأخلاقية المرتبطة بهذا الحدث”.
وخلصت المتخصصة إلى أن هذه الأزمة، هي “فرصة مناسبة”، لتربية الطفل على القيم الأخلاقية والاجتماعية، بدل الوقوف في على جانبها السوداوي، مؤكدة على ضرورة البحث عن الجوانب الإيجابية، من خلال مشاركة الأطفال صور ومقاطع القوافل الإنسانية، لتقوية مشاعر التضامن والتكافل، بدلا من مشاعر الخوف والقلق.
تعليقات( 0 )