في كل مرة يعلن عن نتائج البكالوريا، يطفو إلى السطح موضوع تفوق الإناث على الذكور في البكالوريا على مواقع التواصل الاجتماعي ويثير النقاش والجدل بخصوصه.
في هذا الإطار، قال محمد أقديم، الخبير التربوي، في محاولة للفهم والتفسير، أنه بالفعل يوجد “تفوّق الإناث (التلميذات) في النتائج الدراسية على الذكور(التلاميذ)، كما ظهر في نتائج البكالوريا خلال المواسم الأخيرة: (نسبة نجاح الإناث 72 بالمائة خلال هذا الموسم مقابل 70.8 بالمائة خلال الموسم 2021/2022)، و(نسبة نجاح الذكور 62.6 بالمائة خلال هذا الموسم مقابل 61 بالمائة خلال الموسم 2021/2022)، وكذلك تفوقهن في باقي المستويات الدراسية والامتحانات الإشهادية، كما يمكن أن يرصد أي متتبع للشأن التربوي”.
ويضيف المتحدث ذاته في تصريح خص به “سفيركم” بأنه هذا التفوق لا يرجع: “لقدرات ذهنية خارقة أو مهارات دراسية مرتبطة بجينوم الجنس اللطيف المتميز والمتفوق على جينوم الذكور، كما ليس بمعجزة، أو شيء غير قابل للفهم، بقدر ما يعكس ذلك درجة متقدمة من التحوّل العميق الذي يعيشه المجتمع المغربي برمته”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أنه: “تَحوُّل عميق وبطيء، وتزداد وتيرته تدريجيا، من مظاهره إفساح المجال قانونيا أمام المرأة تدريجيا لتنال حقوقها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية في كل مجالات الحياة تقريبا”.
ويرجع الأكاديمي ذاته أسباب التفوق الإناث على الذكور، إلى أن “هناك أولا: عامل ارتفاع نسبة التمدرس في صفوف الإناث منذ أواخر التسعينيات من القرن الماضي، حيث صارت حاليا تقريبا نفس نسبة التمدرس في صفوف الذكور على عكس الفترة السابقة (التسعينيات وما قبلها)، حيث كانت نسبة تمدرس الفتاة ضعيفة بالمقارنة مع معدل تمدرس الذكور.”
والعامل الثاني الذي أدى إلى تسجيل تفوق للإناث، يفسر الخبير أقديم بإسهاب قائلا: “في الوقت الذي لازال ركام من التقاليد والأعراف والعوائد والذهنيات يكبّل ولوج المرأة إلى الكثير من الفضاءات العمومية، وتمنعها من الخروج إليها في حيّزات زمنية معينة. حيث لازال طبع (habitus) التقسيم الجنسي للزمان والمكان، المرتبط بالهيمنة الذكورية بتعبير بيير بورديو، لازال متحكّما في ذهنية معظم المغاربة (ذكورا وإناثا) ومؤطِرا لسلوك أغلبيتهم. فالفضاءات المكانية التي ترتادها المرأة لازالت ضيقة، والحيّزات الزمنية التي تلج فيها إليها لازالت محدودة، في تمييز واضح بين الجنسين يمكن أن يلاحظ أي متتبع ومراقب، تمييزا لا يمكن الحكم عليه لا بالسلب ولا الايجاب، لأن مظاهره قد يراها البعض سلبية بالنسبة للأنثى ونتائجه قد يفسرها البعض بكونها إيجابية بالنسبة لها، وإن كان ذلك التمييز غير مُلفِت لأنه صار معتادا(habitus)، ولذلك لا يطرح أي إشكال في الوقت الراهن”.
ويختم المستشار في التخطيط التربوي ذاته قائلا: إن “التمييز (السلبي) ضد الاناث هو الذي انعكس إيجابا على نتائجهن الدراسية، فإقصائهن من ارتياد الكثير من الفضاءات وحرمانهن من الخروج في العديد من الأوقات، هو الذي وفّر لهن غلافا زمانيا مهمّا من (الزمن اللامدرسي) استثمرته الكثير منهن في الانكباب على الدرس والتحصيل (المطالعة، المراجعة، المذاكرة، الحفظ، التمارين، التداريب)، وبالمقابل لم يجد الكثير من الذكور من أقرانهن من هذا (الزمن اللامدرسي) ما يكفي لإنجاز واجباتهم الدراسية المنزلية (تمارين ومطالعة وحفظ ..)، بسبب انشغالاتهم في الخروج إلى الفضاءات العمومية (المقاهي، الحدائق، الملاعب، الشارع) للتسلية واللعب والرياضة.
ويوم سينتهي هذا التمييز (السلبي) ضد الاناث، والذي هو بالمناسبة من المطالب الأساسية للحركة النسائية، وتتغير هذه العوائد والقيود المكبّلة لهن والطبائع (habitus)، ويُفتحُ لهن المجال أمامهن لارتياد كل الفضاءات في كل الاوقات، ويستهلكن جزء كبير من (الزمن اللامدرسي) في هذه الفضاءات، ويملأن أوقاتهن بما ملأها أقرانهن الذكور ستصير نتائجهن الدراسية مثل نتائج الذكور”، حسب الخبير محمد أقديم.
ياسين حكان (كاتب وباحث)
تعليقات( 0 )