كشف الصحفي والكاتب والباحث في التاريخ المغربي الحديث، لحسن العسبي، أن أهل منطقة طاطا يرممون تلف قراهم بعد الأمطار الطوفانية الأخيرة التي ألمت بهم، بآلية تضامنية اجتماعية متجذرة لدى الساكنة، يطلق عليها بالأمازيغية “حتصاين”.
وأوضح لحسن العسبي في تصريح لجريدة “سفيركم” الإلكترونية، أن “حتصاين” هي تجربة قديمة وليست حديثة، بحيث تعود إلى الستينات والسبعينات من القرن الماضي، التي جعلت أبناء هذه المناطق ينشأون على نوع من التكافل التضامني، الذي ورثوه عن آبائهم وأجدادهم.
وأضاف المتحدث ذاته أن هذا “التكافل التضامني نقلوه من صيغته التنظيمية المتعلقة بتوزيع الماء بين مختلف ساكنة الدواوير والقبائل إلى التنظيم الفلاحي وتنظيم الأسواق وشكلها التجاري إلى تنظيمات متعددة، تبلورت عبر قرون إلى أن أصبحت آلية من آليات التضامن في مواجهة المشاكل والكوارث الجماعية، ومنها “حتصاين” بالأمازيغية، والتي تعني “حد الصائم”، بمعنى أن كل من بلغ سن الصيام ملزم بأن يشارك في كل عمل جماعي لفائدة الجماعة أو القبيلة التي ينتمي لها”.
وذكر الحسن العسبي أن الجميل في هذه العملية، هو أن “ساكنة هذه المناطق لا ينتظرون وقوع الكارثة للتطوع من أجل التضامن والعمل الجماعي، بل بنيت مدارس بهذا الشكل، وشيدت مستوصفات بنفس الصيغة، كما أدخل الماء والكهرباء وتمت إعادة تنظيم مجال الري والمياه السقوية داخل هذه القرى بهذه الطريقة، وحتى مراقبة المنتوج الفلاحي كي لا يتعرض للسرقة والتجاوزات بين هذه العائلة أو تلك، تتم هكذا، وبالتالي هم يمتلكون هذه الآلية التنظيمية القديمة، ويحتكمون دائما إلى سلطة الجماعة التي تنظم العمل وأمور الحياة فيما بينهم”.
وأشار الكاتب المغربي إلى أنه حين تأتي كارثة معينة يجتمع أهل هذه المناطق من جديد من أجل مواجهة نتائجها، مبرزا أن “نفس الأمر وقع في طاطا، ولو وقعت نفس الكارثة في سوس أو فكيك أو الراشيدية كان سيقع نفس الشيء، وبالتالي فهذه بنية سلوكية قديمة ومترسخة”.
واستغرب العسبي من حقيقة كون ساكنة هذه المناطق لا يحتجون أو يشتكون كثيرا، بل يشمرون على سواعدهم أهبة للعمل، مضيفا أن الملاحظة والاحتجاج تأتي لاحقا. وأردف العبسي: “هذا في رأيي مهم جدا على المستوى القيمي، حيث أنه ربما قوة هذا التنظيم هي ما جعلتهم ينجحون في تحقيق بعض المكتسبات التنموية على المستوى المحلي، دون انتظار مساعدة الدولة، وهذا لا يلغي أنه من واجبها في إطار التضامن الاجتماعي والإنصاف المجالي الذي يحقق التنمية المجالية ويرسخ فعلا الديمقراطية، أنه من واجب الدولة أن تهتم بمواطنيها لأنها مسؤوليتها”.
وشدد صاحب كتاب “سيرة الدمع” على أهمية جعل ظاهرة “حتصاين” مادة للدراسة، لكونها موضوع بحث غني على المستوى السوسيولوجي والأنثروبولوجي، وحتى على مستوى مجال علم السياسة وشكل تدبير المجال في مجال العلوم السياسية أو الجغرافيا البشرية، ما يجعل مادة خام هي السبب في تجربة مجتمعية على مستوى التضامن والتكافل في جغرافيات مغربية متعددة، سواء في الريف وفكيك، وبعض المناطق الشرقية مثل: الراشيدية و ورزازات، وفي منطقة سوس بكثرة، وصولا إلى آيت باعمران.
ودعا الباحث المغربي الدولة إلى إجراء تقييم لدور الصندوق الخاص بالكوارث الطبيعية، قائلا: “من المفروض أن هناك صندوق خاص بالكوارث الطبيعية الذي تم إحداثه منذ سنوات في المغرب، وربما وصلنا إلى مرحلة التقييم. الدولة والحكومة والجهة المسؤولة عن هذا الصندوق وعن تدبيره، يجب أن تجري تقييما لدور هذه الآلية التضامنية الخاصة في دعم الكوارث، بإشراك الجميع بطبيعة الحال، لأنه من المهم إشراك المجتمع المدني والإعلام و المتخصصين في المجال الأمني والصحي للتعبير عن رأيهم في تقييم هذه التجربة”.
وفيما يتعلق بالدروس والعبر التي يمكن أن يستخلصها المغرب من فيضانات طاطا، أكد العسبي أن “ما يقع في طاطا، هو درس مهم لنا جميعا، لأنه يبرز حقيقة أن هناك خصاص كبير جدا في آليات الحماية الاجتماعية بهذه المناطق المغربية، التي لا يمكن أن يتردد المرء عن اعتبارها مناطق منسية، وكانت دائما منسية في مجالات التنمية، والتضامن الاجتماعي والاهتمام المجالي ضمن مخططات التدبير في المغرب، سواء على المستوى الحكومي أو المحلي”.
وأشار الإعلاميذاته إلى أن الدرس الثاني الذي يمكن أن يستفيده المغرب من كارثة زلزال الحوز، هو أن “هناك آلية تضامنية اجتماعية مترسخة في هذه المناطق، ظهرت بقوة هذه المرة في طاطا، وستظهر في مناطق أخرى مثل فكيك، المهددة يومي الأربعاء والخميس بتساقطات مطرية قد تصل 90 ملمتر، بعد البلاغ الإنذاري من المستوى الأحمر، الذي أصدرته مصلحة الأرصاد الجوية، وأعتقد أن هذه الآليات التضامنية مهمة جدا وتعكس تربية سلوكية مترسخة في هذه المناطق”.