أثار طلب الفريق الاشتراكي بمجلس النواب مناقشة السياسة الاستثمارية للمكتب الشريف للفوسفاط ردود فعل متباينة، بين من اعتبره خطوة رقابية طبيعية تندرج ضمن صلاحيات البرلمان، ومن رأى فيه تحركا سياسيا متزامنا مع توقيت غير بريء، وذلك وسط إشادات بإنجازات مصطفى التراب، المدير العام لمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط (OCP)، وانتقادات أخرى تتعلق بالشفافية والمراقبة.
وأوضح أيوب الرضواني، مستشار في السياسات العمومية وباحث في الجغرافيا السياسية والاقتصاد السياسي، في تصريح لموقع “سفيركم” الإلكتروني، أن مساءلة رؤساء الشركات العمومية تتم قانونيا ودستوريا في إطار لجنة المالية، وليس في جلسات عمومية كما هو الشأن بالنسبة للوزراء.
ووصف الرضواني مطالبة الفريق الاشتراكي بدراسة السياسة الاستثمارية للمجمع الشريف للفوسفاط بـ”الفُجائية”، مشيرا إلى أنها تزامنت مع ما نشره أحد المواقع الوطنية المعروفة، بحسبه، بقربها من أحد الأقطاب الاقتصادية في الدولة، والذي انتقد طريقة تسيير المجمع، وكذا كيفية اشتغاله، سواء عن بُعد أو من خلال شركات خاصة وغيرها.
واعتبر أن هذا الانتقاد الإعلامي للمكتب الشريف للفوسفاط يُعبّر عن “شد الحبل والتوازنات بين قطب اقتصادي وآخر”، مشيرا إلى أن الفريق الاشتراكي التقط إشارات غضب من جهة معينة تجاه مدير هذه المؤسسة، فاغتنم الفرصة لتوجيه دعوة لمساءلته.
وأضاف أن التراب سبق أن حضر عدة مرات إلى مجلس النواب، لكن في جلسات خاصة مع لجان المالية، لا تحظى بتغطية إعلامية.
وأكد المتحدث ذاته أن توجيه الفريق الاشتراكي لطلب مساءلة التراب “خطوة طبيعية من الناحية السياسية”، معتبرا أن البرلمان جهاز رقابي، لا سيما في ظل تساؤلات إعلامية حول طريقة تسيير المكتب الشريف للفوسفاط، وهو ما يجعل من حق أي فريق برلماني المطالبة بمساءلة المسؤولين أو على الأقل الكشف عن مدى شفافية تسيير هذه المؤسسة العمومية، وغيرها من المؤسسات.
ولفت إلى أن الأحزاب السياسية تتسم بـ”الانتهازية” في المواسم الانتخابية، قائلا: “أي فريق أو حزب تُتاح له الفرصة لإظهار قوته وإثبات وجوده، سيغتنمها دون تردد، بما في ذلك قضية المكتب الشريف للفوسفاط، وقبلها قضية دعم اللحوم وما رافقها من جدل، حين طالبت أحزاب المعارضة بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق، لكنها لم تفلح في جمع النصاب القانوني المطلوب، والمتمثل في موافقة ما لا يقل عن ثلث أعضاء مجلس النواب”.
وجدد التأكيد على أن هذه الخطوة تبقى “طبيعية” لاعتبارين: أولهما، انتماء الفريق الاشتراكي للمعارضة، وثانيهما، سعيه إلى تسجيل نقاط لصالحه أو ضد الحكومة والمسيرين، لا سيما في هذه الظرفية التي تسبق الانتخابات بسنة واحدة.
ويُشار في هذا السياق إلى أن موقع “سفيركم” حاول التواصل مع كل من الفريق الاشتراكي والمكتب الشريف للفوسفاط للحصول على توضيحات حول الموضوع، لكنه لم يتلق أي رد.
من جهته، قال المحلل السياسي محمد شقير، في تصريح مماثل، إن طلب الفريق البرلماني استدعاء مسؤولي المجمع يأتي في سياق النقاش الواسع الذي أثارته بعض الأوساط الإعلامية المغربية حول السياسة الاستثمارية والمالية التي يعتمدها المجمع، والتي ركزت على كونه بات يستثمر في قطاعات لا تندرج ضمن مجاله التقليدي، مؤكدا أن هذا الطلب جاء لطرح تساؤلات حول هذه السياسات.
واستطرد شقير أن هذا الطلب، وإن كان موجّها إلى واحدة من كبرى المؤسسات الاقتصادية الوطنية، لا يشذ عن القاعدة الدستورية التي تتيح للبرلمان استدعاء مؤسسات مثل مجلس المنافسة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، وهو ما يُعزّز الدور الرقابي للمؤسسة التشريعية على شركات وطنية تُعد من الأذرع المالية للدولة، وعلى رأسها المجمع الشريف للفوسفاط، الذي يُعد أحد رموز الاقتصاد الوطني.
استراتيجية عمل المكتب بين الإشادة والانتقادات
أوضح الرضواني أن مصطفى التراب، منذ تعيينه سنة 2006 على رأس المكتب الشريف للفوسفاط، نجح في مضاعفة رقم معاملات المؤسسة، بفضل إدخال مفاهيم جديدة في التسيير، مستفيدا من تكوينه الأنجلوساكسوني وتجربته في الولايات المتحدة الأمريكية.
وأشار إلى أن حوالي 40% من رقم معاملات المؤسسة كانت تتم، قبل تولي التراب، من خلال شراكة مع المكتب الوطني للسكك الحديدية عبر نقل المواد الخام إلى السواحل، غير أن استراتيجية التراب الجديدة غيرت هذا النموذج، وركزت على التصنيع بدل تصدير المواد الخام، ما ساهم في خلق قيمة مضافة من هذه الثروة الوطنية.
ووصف الرضواني الاستراتيجية التي اعتمدها التراب بـ”الناجحة”، مؤكدا أنها ساهمت في تعزيز استثمارات المكتب، ورفع رقم معاملاته، وعززت مكانة المغرب كقوة اقتصادية عالمية في مجال الأسمدة، فضلا عن استخدام الفوسفاط كأداة دبلوماسية ناعمة في السياسة الإفريقية للمملكة، خاصة في ملف الصحراء المغربية.
وفي المقابل، سجل الرضواني بعض النقاط السلبية المرتبطة بمنهجية عمل المكتب، قائلا: “تسيير الشأن العام يجب أن يُنظر إليه بعين ناقدة، لأنه مرتبط بالمال العام وبأموال دافعي الضرائب. فبالرغم من أن المكتب يسير في اتجاه استثماري جيد، إلا أن هناك استفهامات مطروحة بخصوص الشفافية المالية، ووضوح النتائج، والإنفاق، والعوائد، ومدى الخضوع للرقابة، كما هو الحال في مؤسسات عمومية أخرى”.
وشدد على أن الرقابة الخارجية تُساعد المؤسسات على تحسين أدائها، مؤكدا أن المكتب الشريف للفوسفاط يجب أن يخضع للمراقبة بخصوص أجور بعض موظفيه المرتفعة، وكذلك حول طرق التسيير، لا سيما في ظل تفويت بعض مهام المكتب لجهات خارجية، مضيفا: “هناك مجموعة من النقاط التي تتعلق بالتسيير المالي، يجب الوقوف عندها في عدد من المؤسسات العمومية، التي لا تزال تُعتبر عُلبا سوداء لا يُعرف ما يدور داخلها”.
وخلص الرضواني إلى أن المغرب يتوفر على 272 مؤسسة عمومية (أو بها مساهمات عمومية)، تقدم لها الدولة دعما ماليا يناهز 65 مليار درهم، غير أن أربع مقاولات فقط هي من تساهم فعليا في ميزانية الدولة، وهي: المكتب الشريف للفوسفاط، واتصالات المغرب، وبنك المغرب، والمحافظة العقارية، بإجمالي مساهمة يبلغ حوالي 13 مليار درهم في مشروع ميزانية سنة 2025.