الهوس العاطفي هو سيل خفي من المشاعر يجتاح القلب والعقل، ليحولهما إلى أرض خصبة لأوهام مضطربة ومشاعر متشابكة، يشبهه الكثيرون بزهرة يجذب جمال بتلاتها الناظرين، لكنها تخفي في جذورها سما قاتلا، فهذا الهوس هو حالة يتحول فيها العشق إلى قيد يلف الروح، ويضعف قدرتها على التمييز بين الواقع والخيال.
وكشفت حنان الشاوي وهي أخصائية نفسية إكلينيكية وفاعلة جمعوية، في حوار خاص مع جريدة “سفيركم” الإلكترونية، تعريف الهوس العاطفي، وأسبابه وكذا أعراضه الأكثر شيوعا، ناهيك عن طريقة علاجه التي من المهم أن تتظافر فيها جهود كل من الطبيب النفسي والأخصائي النفسي.
وفي هذا الصدد، أوضحت الأخصائية النفسية حنان الشاوي أن الهوس العاطفي هو نوع من أنواع الفصام، الذي يعني “السكيزوفرينيا”، مضيفة أن أنواعه مختلفة، وأن أكثرها خطورة هو الهوس العاطفي لأن المريض تظهر لديه مجموعة من التهيؤات والهلوسات ويؤمن ببعض الأفكار غير الحقيقية، مبرزة أن المريض غالبا ما يتوهم أن إنسانا آخر أو شخصية مشهورة تحبه ومغرمة به، ويمكن أن يصل الأمر حد تخيل الطرف الآخر يتكلم معه، قائلة: “هذا الأمر يصطلح عليه في علم النفس بالهلوسة”.
وأكدت المتحدثة ذاتها، في تصريح خاص لجريدة “سفيركم”، أن “مثل هذه الحالات يلزمها طبيب عقلي ونفسي قبل زيارة أخصائي نفسي، وأؤكد على هذا الأمر، لأنه من الضروري أن يكون تشخيص الطبيب العقلي، خاصة وأن الإنسان يبدأ في التكلم بشكل غريب وغير مفهوم”.
وذكرت حنان الشاوي أن المرضى بمجرد ما يتم تشخيص إصابتهم عند طبيب عقلي أو نفسي، توصف لهم الأدوية الواجب أخذها، مبرزة أن هناك عينة مخصصة من الأدوية لهذه الأمراض، التي لا تصيب فقط نفسية المريض، ولكنها تطال حتى وظيفته العقلية، لافتة إلى أنه بعدما يكشف الطبيب العقلي عن المريض ويباشر حالته، يذكر في التشخيص بأنه يعاني فعلا من مرض الفصام، الذي يكون مصاحبا بالتهيؤات.
وقالت الشاوي “توجد مجموعة من المعايير التي يعتمد عليها الطبيب النفسي أو العقلي في التشخيص بالارتكاز على الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية”DCM”، لاكتشاف ما إن كانت أعراض المريض موجودة بالفعل في القسم المخصص للفصام، على سبيل المثال هل طريقة كلامه غريبة وغير مفهومة أو أنه يتكلم عن شيء معين دون الآخر”.
واستطردت الأخصائية قائلة: “بمجرد تشخيص المريض بالفصام، ضروري ومؤكد أن تكون هناك متابعة من أجل ضمان استقرار حالته من هذه الأعراض، وتكون هذه الحالة مصاحبة بنوع من العدوانية والحدة في التعامل التي تظهر عند أغلب مرضى الفصام. وبعد تشخيص المرض يأخذ المريض الدواء لمدة معينة يحددها له الطبيب إلى حين استقرار حالته”، مؤكدة على أهمية “عدم التعامل معه على أنه مخطئ وليس على صواب، بل يجب أن نستمع له ونمنحه وقتا، لأنه يصبح في حالة من العدوانية والهيجان يمكن أن تمس أقرب الناس إليه حتى والديه أو إخوته”.
وأوضحت أنه حين يمنحهم الطبيب العقلي المعالج الضوء الأخضر، بعد مرور ثلاثة أو ستة أشهر، بأن حالة المريض مستقرة، يبدأ الأخصائي النفسي مرحلة العلاج بالحصص والجلسات، والتي تكون عبارة عن حصص استماع ودعم وتعلم نفسي، حيث فسرت ذلك بالقول: “بمعنى أننا نقوم بمجموعة من الجلسات التي فيها تعلمات وتوجيهات جديدة لبناء ثقة المريض في طبيبه المعالج والأخصائي النفسي الذي يشرف على حالته، وإذا لم تكن هناك ما يصطلح عليه بـ’الألفة العلاجية” يبدأ المريض في الشك في طبيبه، ولن يعطي أهمية كبيرة للعلاج أو الدواء”.
وحذرت الأخصائية النفسية من الهوس العاطفي عند الأطفال الذي يحدث في سن المراهقة، موضحة أن المراهق يكون في حالة من الهيجان وتكون مشاعر الحب من طرف واحد، حيث يتسبب هذا العنفوان والحدة في صدمة يكون تأثيرها طويلا يمكن أن يستمر لمدى الحياة، قائلة: “يمكن أن تسبب هذه الحالة للمريض مجموعة من العقد، مثلا مع الجنس الآخر أو في كل ما هو علائقي في علاقاته مع الناس، وتسبب له مشكلة في أي شيء فيه ارتباط بالآخر، وهنا يعيد استرجاع مشاعر الصدمة، بطريقة لا واعية، وحين يحاول النجاح في علاقة معينة لن يستطيع لأنه يعيد استرجاع مشاعر الصدمة التي سبق وعاشها بطريقة لا واعية”.
وخلصت حنان الشاوي إلى الإشارة إلى أنه يجب على المريض أن يلجأ إلى الأخصائي النفسي من أجل أن يساعده ويحدد معه موطن المرض، مضيفة أنه بعد انتهاء مرحلة “La Verbalisation”، تنطلق مرحلة العلاج لأن المريض “يبدأ في اكتشاف مجموعة من المشاعر المكبوتة لديه، وكأنه يكتشف نفسه وشخصيته، وكينونته ثم هويته من جديد، لأنه كان دائما في حالة تجميد المشاعر كي لا يعيش الألم، لكن في مرحلة العلاج يبدأ في التعرف على هذه العملية بطريقة لاواعية ثم يبدأ في تغيير سلوكه بوعي، ويتعرف على نفسه وكيفية تعامله مع الآخرين”.
تعليقات( 0 )