في خطوة مفاجئة، دعا الزعيم التاريخي لحزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، الذي يقاتل الحكومة التركية منذ عقود والمعتقل في السجون التركية، عناصر الحزب إلى إلقاء السلاح وحل الحزب، والتوجه نحو المساهمة في بناء الدولة التركية الموحدة.
هذا الإعلان شكل نهاية لمسار طويل بدأه أوجلان ورفاقه في تأسيس الحزب اليساري المسلح، الذي خاض حربا ضروس ضد الجيش التركي في مناطق الأكراد جنوب شرق تركيا وشمال العراق.
ويُعد هذا التحول أحد المحطات البارزة في تاريخ الحزب بعد اعتقال أوجلان قبل 26 سنة، كما أن هذا الموقف سيلقي بظلاله على العديد من الحركات المسلحة ذات التوجهات الانفصالية في العالم، والتي تأسست في نفس الحقبة الزمنية التي ظهر فيها حزب أوجلان، متأثرةً بالتوجهات الأيديولوجية لحقبة المد الشيوعي في صراعه مع المعسكر الغربي الرأسمالي إبّان مرحلة الحرب الباردة.
وتُعد جبهة البوليساريو الانفصالية إحدى بقايا هذه الحقبة، حيث جاء تأسيسها امتدادا لهذا التوجه الأيديولوجي والسياسي والفكري لمرحلة الحرب الباردة والصراع بين المعسكرين الشيوعي والليبرالي، قبل أن تشهد عدة تحولات على مستوى القيادة والفكر والتوجهات.
وفي ظل خطوة زعيم حزب العمال الكردستاني بالدعوة لإلقاء السلاح وحل الحزب، يبرز سؤال مهم: هل يحذو زعيم البوليساريو إبراهيم غالي حذو أوجلان، ويدعو لإلقاء السلاح وحل البوليساريو والعودة إلى الوطن والمساهمة في بنائه؟
ولا يعتبر هذا السؤال اعتباطيا أو إسقاطا على تجربتين مختلفتين، حسب مراقبين، بل هو من صميم المقارنة الجائزة، نظرا لتشابه الحركتين في المقومات والأهداف، وخلفيات التأسيس والامتداد فكريا وميدانيا. فكلتاهما خاضتا صراعا مسلحا لتحقيق أهدافهما الانفصالية. لذا فإن عودة حزب العمال الكردستاني عن هذا المسعى، نظرا لتغير الظروف والشروط والسياقات وتجاوز الزمن لشعارات تلك الحقبة، يفرض على البوليساريو استيعاب ذلك ومراجعة مواقفها وطروحاتها.
وفي هذا السياق، يرى رئيس مرصد الصحراء للإعلام وحقوق الإنسان، محمد سالم عبد الفتاح، “أنه من غير المستبعد أن تدفع الجزائر بإبراهيم غالي إلى تعليق أو التراجع عن قرار التنصل من وقف إطلاق النار، خاصة أن هذه التطورات السياسية والدبلوماسية والميدانية أحدثت تغيرا في موازين القوى لصالح المملكة، مما يتطلب تفاهمات جديدة تنسجم مع هذه المستجدات”.
واعتبر محمد سالم عبد الفتاح، في تصريح لـ”سفيركم”، أن “إعلان البوليساريو تمسكها بالتنصل من وقف إطلاق النار لا يعدو كونه إعلانًا شكليا موجها للاستهلاك الداخلي بمخيمات تندوف، بهدف تصدير أزمة البوليساريو خارجيًا وتدبير هذه الأزمة”.
وشدد المتحدث على أن “قرار البوليساريو مرتبط بالقرار الرسمي الجزائري، وخاصة المؤسسة العسكرية، التي تعتبرها أداة وظيفية تستخدمها ضد المملكة ومصالحها الاستراتيجية وتقويض الوحدة الترابية للمغرب، وبالتالي فإن أي تحول في قرار البوليساريو مرتبط بإرادة الجزائر في إيجاد حل سياسي لهذا النزاع المفتعل”.
وكشف الخبير في الشؤون الصحراوية أنه “منذ أن أعلنت الجبهة الانفصالية التنصل من وقف إطلاق النار، لم تستطع إحداث أي تغيير في الوضع الميداني”؛ فبحسب تقارير الأمين العام للأمم المتحدة، فإن هذه ‘الأقصاف’ التي تعتبرها تقارير الأمين العام للامم المتحدة، أعمالا عدائية محدودة، لم تُوصَف بالحرب، ولم تُحدث أي تغيير ملموس في الوضع الميداني، كما أن عناصر الأمم المتحدة في المنطقة لم تسجل أي خسائر لدى الجانب المغربي”.
وختم الناشط الصحراوي بالقول إن “ضمان المصالح الجزائرية في المنطقة، خاصة فيما يتعلق بنزاع الصحراء، يتطلب من الجزائر المسارعة إلى الجلوس على طاولة المفاوضات لتحصيل مكاسب، خاصة تلك المتعلقة بولوج الواجهة الأطلسية، وفك العزلة عن مناطقها الجنوبية الغربية المحاذية للأقاليم الجنوبية للمملكة، ومعالجة قضاياها الأمنية والاقتصادية”.