سمير الدهر.. الديبلوماسي المدافع عن تراث المملكة المغربية

يقال أن تاريخ العالم ليس إلا سيرة الرجال العظماء، وقصة اليوم هي قصة رجل عظيم ومحارب دخل دهاليز الديبلوماسية الدولية، حاملا في فؤاده قضايا وطن تلازمه أينما حل وارتحل، لا يخشى المواجهة ولا يرضخ للوهم أو يرضى بالتفاهات، برجاحة رأيه وحكمة لسانه ولباقة كلامه، أسكت الخصوم وأهدى بلده البطولات.

وبما أن الكرام لأوطانها، فسمير الدهر واحد من رجالات الدولة الذين لا يخطئهم المتابعون، فصوته وكلامه دائما ما يصدحان في اليونيسكو دفاعا عن تراث مملكة متجذرة في عمق التاريخ، فكثيرا ما زأر في وجه من خولت لهم أنفسهم المس بالمغرب أو التفكير في الاقتراب من تراثه، وكثيرا ما نقل رسائل بلده بحنكة تلامس العقول قبل القلوب بوأت المملكة مكانا بين الكبار، فهو بذلك يجيد لعبة الصمت والكلام حين يلزم ذلك.

مسيرة أكاديمية ومهنية:

ومما لا شك فيه أن مشيئة القدر كانت تهيئه لتحمل شرف تمثيل المملكة المغربية في الخارج، فسمير الذي رأى النور في السابع من شتنبر 1963 بمدينة الدار البيضاء، التي أنجبت خيرة الأطر المغربية، بدأ مساره الأكاديمي الواعد بحصوله سنة 1982 على شهادة الإجازة في الاقتصاد من جامعة بوردو، ثم دبلوم الدراسات الجامعية العامة من نفس الجامعة عام 1984، ليكون بذلك مؤهلا لدراسة الشؤون الديبلوماسية في “المدرسة الوطنية للإدارة” وبعدها الظفر بشهادة الدراسات العليا المتقدمة من جامعة مونبلييه.

مسيرته المهنية بدأت في مكاتب وزارة الخارجية، ككاتب للشؤون الخارجية بقسم المنظمات الدولية بين عامي 1989 و1990، ثم منصب سكرتير في الشؤون الخارجية بمديرية أوروبا بين سنة 1990 و1991، ليتولى بعدها من الفترة الممتدة من 1991 إلى 1996 منصب السكرتير الأول بالسفارة المغربية في بروكسل، حيث كان مشرفا على ملف العلاقات الاقتصادية بين المغرب والمجموعة الاقتصادية الأوروبية.

ولم يقتصر مساره الديبلوماسي على التجارب سالفة الذكر، بل تقلد مناصب أخرى كان لها دور كبير في تشكيل شخصية الرجل الذي هو عليه الآن، حيث كان قد اشتغل لمدة 4 سنوات كمستشار لدى وزير الخارجية المغربي آنذاك، محمد بن عيسى، بين سنتي 1999 و2003، كما نال بعدها شرف تعيينه في منصب القنصل العام للمملكة المغربية في مدينة بوردو الفرنسية، وهو المنصب الذي شغله خلال الفترة الممتدة من سنة 2003 إلى 2008.

وكان قد تم تعيينه سفيرا للمغرب لدى مملكة بلجيكا ودوقية لوكسمبورغ الكبرى، إلى غاية 2016، قبل أن يتولى منصب السفير في كل من اليونان وجمهورية قبرص بين عامي 2016 و2019، ليصبح في يونيو 2019 الممثل الدائم للمغرب لدى اليونسكو، ويقدم في يوليوز من نفس السنة أوراق اعتماده للسيدة أودري أزولاي.

جوائز وأوسمة:

وبما أن لكل مجتهد نصيب، فقد سبق لسمير الدهر أن ظفر بمجموعة من الأوسمة والتكريمات اعترافا بمجهوداته الديبلوماسية، ويتعلق الأمر بوسام “الصليب الأكبر” من وسام التاج من مملكة بلجيكا، إلى جانب الميدالية الذهبية للاستحقاق والتفاني من الجمهورية الفرنسية، وكذا لقب المواطن الفخري لمدينة بوردو ومدينة بروكسل.

مواقف سجلها التاريخ:

بمواقف ثابتة، ورؤية واضحة وخطوات لا تهدأ ، لا يترك سمير الدهر أي مناسبة تمر دون أن يدافع عن إرث حضاري وإنساني يمتد لقرون، ويمثل شعبا يعشق الأرض والتاريخ، ليكون بذلك صوت المملكة الشريفة في أروقة اليونيسكو، الذي يحمي بحزم تراث المغرب الثقافي والإنساني، ويدعو إلى حوار حضاري وسلمي يحترم التنوع ويعزز الانتماء العالمي.

ففي خضم الحملات الإعلامية الشرسة التي أطلقتها الجزائر لـ”السطو” على التراث المغربي، خرج الدهر في تصريح إعلامي، دعا من خلاله المغاربة إلى تحكيم العقل وعدم الانخراط في هذه الحملات، مطمئنا إياهم بأن المغرب لن يسمح لأي كان بأن يسرق هويته، وأنه يقوم بمجهوداته لتسجيل تراثه وحفظه، قائلا: “لا تنسوا نحن مغاربة، نتمتع بالرزانة ونحتكم إلى العقل، ونظرتنا ليست محدودة أو ضيقة، لذلك اطمئنوا فوزارة الثقافة واللجنة الوطنية والمندوبية الدائمة لدى اليونيسكو يعملون ليل نهار من أجل ذلك”.

وما يزال مستخدمو منصات التواصل الاجتماعي المغاربة يتداولون إلى حدود اللحظة مقطع فيديو، كان قد أفحم فيه  السفير والممثل الدائم للمغرب لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)؛ سمير الدهر، ممثل الجزائر خلال الاجتماع التحضيري للدورة الـ 17 للجنة اليونسكو للتراث غير المادي المنعقد في سنة 2022، حين تحدث هذا الأخير بلغة فرنسية ركيكة خارج السياق، قائلا إن مدينة الداخلة تنتمي إلى “الصحراء الغربية” وغير تابعة للمغرب، داعيا إلى “احترام القانون والشرعية الدوليين”.

فرد عليه الدهر بنبرة حازمة، أوضح فيها أن ما قاله ممثل الجزائر مثير للضحك، فالحديث لم يكن عن الداخلة بل عن طاطا وكلميم، مستطردا “ورغم ذلك فالصحراء مغربية شئتم أم أبيتم، وهوسكم بالمغرب جعلكم تصمون آذانكم عما قيل لأننا تحدثنا عن موقعين وهما طاطا وكلميم”.

وكثيرا ما يؤكد في العديد من المحافل الدولية على رؤية الملك محمد السادس في مجال التعليم والتنمية المستدامة والتراث والثقافة، ودور العامل الثقافي في السياسة الخارجية للمملكة، مؤكدا على أن الدبلوماسية الثقافية “جزء رئيسي” في علاقات المغرب مع محيطه الإفريقي والعربي والدولي.

وقبل بضعة أيام، أكد سمير الدهر لجريدة “سفيركم” الإلكترونية، التي غطت فعاليات الأسبوع العربي الأول في اليونيسكو بباريس، أن مشاركة المغرب في هذه الفعالية برهنت للجمهور على أن هذا التراث يجسد الهوية والثقافة والتاريخ المغربي، وعرفتهم بجزء من ثقافة المملكة، من خلال عروض القفطان والطرب الأندلسي ثم الأكل المغربي إلى جانب مجموعة من العناصر الأخرى المبرمجة خلال هذا الأسبوع الثقافي.

وذكر الدهر أنه بموجب اتفاقية 2003 التي تنص على تسجيل عنصر واحد كل سنتين، تم تسجيل الملحون في بتسوانا، وأن القفطان سيتم تسجيله في 2025، ليجري في سنة 2027 تسجيل الزليج وهكذا دواليك إلى حين تسجيل جميع العناصر التراثية المغربية، مشددا على أن الجهات المعنية تواجه محاولات السرقة المتكررة بالقانون.

تعليقات( 0 )