استفاق المغاربة أول الأسبوع على وقع دعوات لخوض إضراب عام وطني يشمل القطاعين العمومي والخاص، ليوم أو يومين حسب الانتماء النقابي أو الضمير النقابي أو الحس النضالي، طالما لم يهتدِ الداعون إليه للوحدة حتى في يوم الإضراب، بل حتى في بيان نتائج الإضراب.
فكان يوم الإضراب العام كباقي أيام الله وكأن لا شيء يحدث، وربما هذا ما جعل نواب الأمة في البرلمان يختارون الهروب من جلسة التصويت على قانون الإضراب، بينما في الجهة المقابلة التزم الوزير الصمت المطبق حتى تنقضي العاصفة وتستمر الحكاية.
ماذا فعلت النقابات؟
ثمة الكثير من الجدل حول النقابات، في شعبيتها، وقدرتها، وحتى في جدية قراراتها؛ وحتى لا نبخس الناس أشيائهم، يجب علينا أن نقدر ما نملك، وألا نصب الزيت على نار تحرق ما تبقى من أدوات الدفاع لدى العمال والشغيلة. فإن مجرد الدعوة لخوض إضراب عام في ظل هكذا ظروف وسياقات من اللازم أن يُنظر إليها على أنها شجاعة.
إن مشهد الإضراب العام في المغرب 2025، وفي ظل نقاباتنا هذه، كان باهتا إلى حد كبير. فلا أحد سيقبل المقارنة بإضرابات عامة أحدثت رجة سياسية واجتماعية واقتصادية في تاريخ المغرب، مثل إضراب 1991 وقبله إضراب 1984 وغيره. أما والحال أننا أمام إضراب عام دعت له أكثر من أربع مركزيات نقابية، فيما المواطن المغربي، وكذلك عدد كبير من الشغيلة والمستخدمين والعمال وحتى الموظفين والأطر، مارسوا حياتهم وشغلهم كما المعتاد، فلا تجب المقارنة إطلاقًا مع وجود كل هذه الفوارق.
إن سؤال “ماذا فعلت بنا النقابات؟” في محله، بل يجب أن يُطرح كل مرة، حينما نستذكر أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية، وحينما يضيق مجال حرية ممارسة الإضراب، وحينما يُفرغ جيب المواطن وتتناقص المواد الأساسية من قفة الأسر بفعل الغلاء ومحدودية الدخل، يكون الجواب على السؤال ذا وقع كبير، لا سيما إذا كان الجواب هو أن النقابات أفرغت النضالات العمالية والشعبية كما أفرغت تنظيماتها من الحياة والفعل الحقيقي الجاد.
طبعا، من غير المنطقي وليس من العدل أن نرمي كل السهام على نقاباتنا التي شاخت كثيرا، فمن الضروري استيعاب حجم إكراهاتها، وحجم حملات تسفيه وتمييع العمل النقابي، وتفريخ النقابات والتنسيقيات، وحملات الإضرار بالنقابيين والعمال المضربين، وغيرها من وسائل التضييق على العمل النقابي بالمغرب، التي بدورها أجهزت بشكل مقصود ومنهجي على العمل النقابي الأصيل في المغرب.
نواب الأمة والهروب الكبير يوم التصويت
في مجلس النواب، حدث آخر لا يقل أهمية عن حدث الإضراب العام، حيث يرتبطان بشكل وثيق. الأول، أي الإضراب، نتيجة للثاني، أي التصويت على مشروع القانون. وحيث إن المجلس كان من المفروض أن ينقل ما يضج به القدر خارجه، ولأنه يغلي، اختار أكثر من ثلثي النواب أن لا يغمسوا أصابعهم في ذلك القدر، حتى يتبين الرشد من الغي خارجا.
تهرب ثلثي نواب الأمة من المشاركة في التصويت، يطرح أسئلة حول أسباب هذا التهرب. هل بهذا السلوك يريد نوابنا المحترمون أن يبلغونا أنهم يرفضون هذا القانون؟ أم أن أوامر معينة جعلتهم يخرجون من الجلسة قبل التصويت حتى لا يحسب عليهم قرار تمرير هذا القانون المثير للجدل؟ أو أن الأمر ناتج عن خلافات حقيقية بين مكونات الأغلبية البرلمانية نفسها حول هذا القانون وأمور أخرى؟ بغض النظر عن السبب، ولأن النتيجة هي الأهم، فقد تهرب نواب الأمة من استحقاق وطني كبير، حيث كان من المفروض عليهم الإدلاء بصوتهم إيجابًا أو سلبًا بخصوص هذا الموضوع.
يكشف هذا الهروب كذلك استمرار استهتار عدد من النواب بالمؤسسة البرلمانية، وعدم الجدية في ممارسة مهام نواب الأمة، التي على أساسها انتخبوا أصلا. إذ يستخدمونها كواجهة لقضاء مآرب أخرى، وغايات شخصية وسياسية لكثير منهم، حيث يبقى العمل البرلماني الحقيقي والملتزم آخر اهتمامات بعض البرلمانيين.
غياب تواصل حكومي حول الأزمة
في الجانب الآخر، سار وزير الشغل والإدماج المهني، وفق عادته، ساكتا صامتا، وكأن الحال جيد، والوضع لا يبعث على القلق، والبلد ليس على موعد مع إضراب عام دعت له نقابات عدة، قد يشل الحياة الاقتصادية إذا تمت الاستجابة له.
السيد الوزير، وعلى غرار باقي أعضاء الحكومة، لم يخرج للمغاربة توضيحا أو تطمينا، فالسياسة التواصلية لدى الوزير ليست على ما يرام، والتواصل كما هو معمول به في الدول الديمقراطية نحن أبعد عنه بكثير. فلا أحد من الجهات الرسمية خرج ليلة الإضراب العام ليوضح للمواطنين عن خطوات الحكومة أو تطميناتها، بأن المشاورات مستمرة، وأن الحكومة ستعاود الاستماع لهموم نقابات العمال، وستنكب على معالجة الأزمة ونزع فتيلها.
السيد السكوري ليس صامتا دائما، فهو يتكلم، لكن ليس دائما، وحينما كان من المفروض عليه أن يفعل، اختار الصمت، وأن يلوذ للوراء، تاركا القدر بما فيه يغلي حتى يبرد، وبعدها يستمر المسار. فالأوضاع حسب الحكومة ووزير تشغيلها على أحسن ما يرام، وقطار الحوار الاجتماعي المؤسس مستمر، ولم يخرج عن مساره بفعل إضراب عام أو قطاعي.
وفي حين كان على الحكومة ووزيرها في التشغيل، أن تخرج لتعلن استماعها لنبض الشارع أو مخاوف النقابات، استمرت في الصمت من جديد، تحت شعار “كم حاجة قضيناها بتركها”، وحتى ينتهي الإضراب العام وتدخل في حرب الأرقام مع النقابات، وتسفيه الدعوة والإضراب، قبل العودة للنقاش ومحاولة الالتفاف على المطالب الحقيقية والجوهرية التي على أساسها اندلعت هذه الأزمة.