بينما تتهيأ الحكومة لمراجعة قانون الصحافة والنشر لسنة 2016 بهدف ضبط ما تصفه بـ “فوضى” الإعلام الرقمي، كشف تقرير حديث أنجزه مركز حرية الإعلام عن صورة مقلقة عن القطاع، حيث أن أكثر من 1.300 موقع مهدد بالإغلاق، ومئات الصحفيين معرضون لفقدان مصدر رزقهم، وصوت المعنيين بالدرجة الأولى يكاد يغيب عن النقاش العام.
وأوضح التقرير، الذي توصل به موقع “سفيركم” الإلكتروني، أن مراجعة قانون الصحافة والنشر لسنة 2016، أطلقتها وزارة الشباب والثقافة والتواصل ضمن خطة الحكومة للانفتاح 2024–2027، بتنسيق مع وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، مبرزا أن الهدف منها هو معالجة ما تعتبره الحكومة “فوضى” انتشار المواقع الإخبارية غير المرخصة، والتي تُقدر بأكثر من 1.300 موقع وفق الأرقام الرسمية.
وأضاف التقرير، أن الخطاب المتعلق بتنظيم الصحافة الرقمية في المغرب ظل أحادي الاتجاه، حيث تسيطر على النقاش تصريحات الحكومة، واللجنة المؤقتة للصحافة، وبعض النقابات المهنية والهيئات الناشرة، مضيفا أن هذه الأطراف تركز على حماية “المهنة” من “دخلاء” يفتقدون للكفاءة، وينشرون أخبارا زائفة أو محتويات رديئة.
وذكر التقرير أن الأصوات المعنية مباشرة، من مديري المواقع المهددة بالإغلاق أو الصحفيين العاملين دون بطاقة مهنية، تكاد تكون غائبة عن المشهد، ما ساهم، بحسبه، في تكريس صور نمطية لدى الرأي العام ضد هؤلاء، وإقصاء مئات الصحفيين من ممارسة عملهم رغم خبراتهم الطويلة.
وسجل التقرير أن المحاكم الابتدائية في عدد من المدن المغربية أصدرت قرارات بتعليق نشاط مواقع إلكترونية بدعوى مخالفة مقتضيات التصريح المسبق، مشيرا إلى أسماء المواقع المعنية بهذه القرارات، وأردف أن هذا الوضع تسبب في توقف مئات المواقع عن النشر تفاديا للعقوبات، وفقدان صحفيين لمناصبهم لمجرد عدم توفرهم على بطاقة مهنية أو شهادات جامعية، رغم تمتعهم بسنوات من التجربة الميدانية.
وتناول التقرير كذلك المواد الأكثر إثارة للجدل في قانون الصحافة لسنة 2016، ويتعلق الأمر بالمادة 1، التي تعرف الصحفي المهني بأنه من يمارس الصحافة بانتظام ويستمد منها راتبه الأساسي، والمادة 4، التي تحصر صفة الصحفي المهني في الحاصلين على بطاقة مهنية، إضافة إلى المادة 11، التي تمنع تشغيل الصحفيين بدون بطاقة مهنية لأكثر من ثلاثة أشهر.
وتنضاف إلى هذه المواد، كل من المادة 16، التي تشترط حصول مدير النشر على شهادة جامعية في الصحافة، والمادة 20، التي تمنح مهلة شهر واحد لتسوية وضعية مدير النشر تحت طائلة تعليق الصحيفة أو الموقع الإلكتروني، وكذا المادة 21، التي تؤكد على إلزامية التصريح المسبق قبل 30 يوما من تاريخ الصدور، والمادة 24 التي تفرض غرامات تتراوح بين 2.000 و10.000 درهم، ترتفع إلى 20.000 درهم في حالة التكرار، مع إمكانية الحجب إلى غاية تسوية الوضعية.
وقدم مركز شمال إفريقيا لحرية الإعلام، مجموعة من التوصيات بهذا الخصوص، أبرزها مواءمة القانون مع المعايير الدولية والإقليمية، والاعتراف بالصحافة باعتبارها نشاطا يقوم على نشر المعلومات والأفكار بغض النظر عن البطاقة أو الشهادة، ورفع الحظر عن المواقع الموقوفة وإعادة الاعتبار للصحفيين الذين حُرموا من عملهم، وكذا وقف حملات التشويه التي تستهدف الصحفيين المستقلين أو العاملين خارج الإطار الرسمي.
وتشمل توصيات المركز، التزام النقابات والهيئات الناشرة بمضامين إعلان الاتحاد الدولي للصحفيين حول حرية الإعلام في العالم العربي الموقع في الدار البيضاء سنة 2016، خصوصا المبدأين 10 و12، وحث الصحفيين المستقلين على تنظيم أنفسهم والدفاع عن حقهم في ممارسة عملهم، ثم مطالبة البرلمان بمراعاة المعايير الدولية عند مناقشة مشروع القانون الجديد، ناهيك عن الأخذ بعين الاعتبار دور المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية في التعبير العلني والدفاع عن حرية ممارسة الصحافة.

