يعتبر الاقتصاد أحد أبرز العوامل التي تحدد تطور البلدان وتقدمها على الساحة العالمية، حيث تسعى العديد من الدول إلى تعزيز اقتصادها من خلال الاستفادة من الفرص المتاحة لديها، مثل الموقع الجغرافي الاستراتيجي، والموارد البشرية المدربة، والعلاقات الدولية الفاعلة. ومن بين هذه الدول، يبرز المغرب كدولة تسعى بشكل جاد لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، وتحقيق تقدم ملحوظ في مواجهة التحديات الاقتصادية.
وفي هذا السياق، أكدت الصحيفة الإسبانية elEconomista أن المملكة المغربية تمتلك كل المقومات لتحقيق نمو اقتصادي مستدام وتقليص الفجوة مع إسبانيا وأوروبا، حيث أوضحت أن موقعها الجغرافي المتميز بالقرب من أوروبا، واليد العاملة المؤهلة نسبيا، وعلاقاتها الدولية القوية مع دول كبرى كإسبانيا والولايات المتحدة وفرنسا، تساهم جميعها في تمهيد الطريق لتحقيق هذا الهدف. مشيرة إلى أن الرباط بدأت باتباع خطوات مماثلة لما قامت به إسبانيا خلال فترات نموها الاقتصادي السريع.
وأضافت الصحيفة الإسبانية أن المغرب يتطور بشكل ملحوظ في قطاع صناعة السيارات، الذي أصبح محركا رئيسيا للنمو الاقتصادي في السنوات الأخيرة. فقد تجاوز إنتاج مصانع “رونو” في الدار البيضاء وطنجة أربعة ملايين سيارة منذ بداية عملياتها، في حين تخطط شركة “سيتروين” لإنتاج حوالي 100 ألف سيارة بحلول عام 2027. كما لفتت الصحيفة إلى أن إنتاج المغرب من السيارات العام الماضي ارتفع بنسبة 15%، متجاوزا 500 ألف وحدة، ليتجاوز بذلك كل من إنتاج هنغاريا ورومانيا، ويقترب من إنتاج بولندا.
ووفقا للصحيفة، فإن المغرب يتبنى رؤية استراتيجية لتعزيز نموه الاقتصادي، مستفيدا من الاستثمار الأجنبي المباشر الذي شهد قفزة كبيرة خلال السنوات الأخيرة. كما أشار تقرير لبنك “BNP Paribas” إلى أن السلطات المغربية أطلقت في عام 2021 برنامجا طويل الأمد لإعادة هيكلة نموذج التنمية، مما أدى إلى زيادة ملحوظة في حجم المشاريع الاستثمارية المعلنة.
وأوضحت الصحيفة أن الصين تلعب دورا مهما في هذا السياق، حيث شهدت الاستثمارات الصينية في المغرب نموا كبيرا، لا سيما في قطاع السيارات الكهربائية. وأشارت إلى أن شركات صينية مثل “Gotion High-Tech” و”BTR New Material” أعلنت عن خطط لإنشاء مصانع لإنتاج البطاريات والمكونات المتعلقة بالسيارات الكهربائية في المغرب.
وتطرقت الصحيفة أيضا إلى المزايا التنافسية الأخرى للمغرب، مثل تكاليف الطاقة المنخفضة التي يدعمها الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة. ونقلت عن خبير في الطاقة قوله إن المغرب يمتلك واحدا من أفضل الموارد الشمسية والريحية في العالم، مما يجعله مرشحا لأن يصبح مركزا رئيسيا للطاقة الخضراء في المستقبل، ويمكن أن يصبح الحل الأروبي للطلب المتزايد على الطاقة في المستقبل.
وفي سياق آخر، ووفقا لتحليل الصحيفة نفسها، كان أداء الاقتصاد المغربي حتى الآن “أقرب إلى خيبة أمل منه إلى مفاجأة إيجابية”. فقد كانت معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي ونصيب الفرد منه منخفضة نسبيا مقارنة بمستوى تطوره والمزايا العديدة التي يتمتع بها، إضافة إلى المساعدات الدولية التي يتلقاها. “ما يزيد من تعقيد الوضع هو ظهور بعض مؤشرات التباطؤ في الفترة الأخيرة… ومع ذلك، من المرجح أن يكون هذا الوضع على وشك التحول”.
وقال جيمس سوانستون، المحلل في شركة “كابيتال إيكونوميكس” في تصريحه للصحيفة الاسبانية، “إن الأداء الاقتصادي الضعيف للمغرب هذا العام قد يكون مجرد مشكلة مؤقتة”. ومن جانبه، أرجع ستيفان ألبي، الخبير الاقتصادي في بنك BNP Paribas، هذا التراجع إلى الجفاف الكبير الذي أثر على القطاع الزراعي.
وأضاف الخبير من البنك الفرنسي في تصريحه “أنه إذا استثنينا تأثير القطاع الزراعي، فإن الاقتصاد نما بمعدل 3.3% في النصف الأول من 2024..وبالتالي، تظل التوقعات الاقتصادية إيجابية”.
وحسب المصدر ذاته توقع سوانستون من “كابيتال إيكونوميكس” أن ينمو اقتصاد المغرب بنسبة تقارب 5% في عامي 2025 و2026 بفضل انخفاض التضخم، وسياسة نقدية أكثر مرونة، وازدهار القطاع الصناعي”.
كما أضاف أن المغرب قد يشهد تقاربا أسرع في مستوى الدخل مع الولايات المتحدة مقارنة بالدول الناشئة الأخرى على المدى الطويل.
واختتمت الصحيفة تقريرها بالإشارة إلى أن المغرب يمتلك فرصا واعدة لتعزيز اقتصاده في السنوات المقبلة. فرغم أن الدخل الفردي الحالي لا يزال بعيدا عن المستويات الأوروبية، إلا أن الإصلاحات الاقتصادية، والاستثمارات المتزايدة، والبنية التحتية القوية تضع المغرب على طريق تحقيق نمو اقتصادي مستدام “يشابه ما حققته إسبانيا في العقود الماضية”.